يقول الحق جل جلاله : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) ، واضحات ، أو : مبينات ، جمع بيّنة ، وهى الحجة والشاهد ، (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِ) أي : لأجله وفى شأنه ، والمراد بالحق : الآيات المتلوة ، وبالذين كفروا : المتلوّ عليهم ، فوضع الظاهر موضع الضمير للتسجيل عليهم بالكفر والمتلو بالحق ، والأصل : قالوا فى شأن الآيات ، التي هى حق (لَمَّا جاءَهُمْ) أي : بادهوا الحق بالجحود ساعة أتاهم ، وأول ما سمعوه ، من غير إجالة فكر ولا إعادة نظر : (هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) ؛ ظاهر كونه سحر.
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) ، إضراب وانتقال من حكاية شناعتهم السابقة ـ وهى تسميتهم الآيات سحرا ، إلى حكاية ما هو أشنع منها ، وهو كون الرّسول صلىاللهعليهوسلم (افْتَراهُ) أي : اختلقه ، وأضافه إلى الله كذبا ، والضمير للحق ، والمراد به الآيات. (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً) أي : إن افتريته على سبيل الفرض لعاجلنى الله بعقوبة الافتراء ، فلا تقدرون على كفه عن معاجلتى ، ولا تملكون لى شيئا من دفعه ، فكيف أفتريه وأتعرض لعقابه الذي لا مناص منه؟! (هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ) من القدح فى وحي الله ـ تعالى ـ والطعن فى آياته ، وتسميته سحرا تارة وفرية أخرى. (كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) حيث يشهد لى بالصدق والبلاغ ، وعليكم بالكذب والجحود ، وهو وعيد بجزاء إفاضتهم ، (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) لمن تاب وآمن ، وهو وعد لمن آمن بالمغفرة والرّحمة ، وترغيب فى الإسلام.
الإشارة : رمى أهل الخصوصية بالسحر عادة مستمرة ، وسنّة ماضية ، ولقد سمعنا هذا فينا وفى أشياخنا مرارا ، فيقول أهل الخصوصية : إن افترينا على الله كذبا عاجلنا بالعقوبة ، (فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً ...) الآية.
ثم أمر نبيه بالجواب عما رموه به ، فقال :
(قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠))
يقول الحق جل جلاله : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً) أي : بديعا ، كخف وخفيف ، ونصب ونصيب ، فالبدع والبديع من الأشياء : ما لم يتقدم مثله ، أي : لست بأول مرسل فتنكر نبوتى ، بل تقدمت الرّسل قبلى ، واقترحت عليهم المعجزات ، فلم يقدروا على الإتيان بشىء إلا ما أظهره الله على أيديهم ، فى الوقت الذي يريد. قيل : كانت