أن تكون لهم شائبة استحقاق للعبادة؟ فإنّ من لا مدخل له فى شىء من الأشياء ، بوجه من الوجوه ، بمعزل من ذلك الاستحقاق بأسره ، وإن كان من الأحياء العقلاء ، فما ظنك بالجماد؟ (ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا) أي : من قبل القرآن ، يعنى : أن هذا الكتاب ناطق بالتوحيد ، وإبطال الشرك ، وما من كتاب أنزل من قبله من كتب الله إلا وهو ناطق بمثل ذلك ، فأتوا بكتاب واحد منزل من قبله ، شاهد بصحة ما أنتم عليه من عبادة غير الله ، (أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) ؛ أو بقية من علم بقيت عندكم من علوم الأقدمين ، شاهدة باستحقاق الأصنام للعبادة ، (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فى أن الله أمركم بعبادة الأوثان ، فإن الدعوى لا تصح ما لم يقم عليها برهان عقلى ، ولا سلطان نقلى ، وحيث لم يقم عليها شىء ، بل قامت على خلافها أدلة العقل والنّقل تبين بطلانها.
(وَمَنْ أَضَلُ) أي : لا أحد أشد ضلالا (مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) ، غاية لنفى الإجابة ، (وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ) ، لأنهم جمادات لا يسمعون.
(وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ) عند قيام الساعة (كانُوا لَهُمْ أَعْداءً) أي : الأصنام لعبدتها ، (وَكانُوا) أي : الأصنام (بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ) ، جاحدين ، يقولون : ما دعوناهم إلى عبادتنا ، والحاصل : أنهم فى الدنيا لا ينفعونهم ، وفى الآخرة يتبرءون منهم ، ويكونون عليهم ضدا ، ولمّا أسند إليهم ما يسند إلى العقلاء من الاستجابة والغفلة ؛ عبّر عنهم ب «من» و «هم» ، ووصفهم بترك الاستجابة تهكما بها وبعبدتها. والله تعالى أعلم.
الإشارة : يقال لأهل الغفلة : أرأيتم ما تركنون إليه من الخلق ، هل لهم قوة على نفعكم أو ضركم؟ (أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ...) الآية. فلا أحد أضل ممن يرجو الضعيف مثله ، الذي لا يستجيب له إلى يوم القيامة ، وهو غافل عن إجابته فى الحال والمآل ، وإذا أحبه على هوى الدنيا صارت يوم القيامة عدواة ومقتا.
ثم ذكر كفرهم بالتنزيل المتقدم ، فقال :
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٨))