المسك ، وأبرد من الثلج ، وأحلى من العسل ، فقلت : من أنت؟ فقال : أنا عبد لمولاك ، فقلت : بم وصلت إلى هذا؟ فقال : تركت هواى لمرضاته ، فأجلسنى فى الهواء ، ثم غاب ولم أره. ه. وقال سهل رضي الله عنه : هواك داؤك ، فإن خالفته فدواؤك ، وقال وهب : إذا عرض لك أمران ، وشككت فى خيرهما ، فانظر أبعدهما من هواك فأته. ه. ومثله فى الحكم : «إذا التبس عليك أمران ، فانظر أثقلهما على النّفس ، فاتبعه ، فإنه لا يثقل عليها الا ما كان حقا». فالعز كله فى مخالفة الهوى ، والذل والهوان كله فى متابعة الهوى ، فنون الهوان سرقت من الهوى ، كما قال الشاعر :
لون الهوان من الهوى مسروقة |
|
أسير كلّ هوى أسير هوان. |
وقال آخر :
إن الهوى لهو الهوان بعينه |
|
فإذا هويت فقد لقيت هوانا |
وإذا هويت فقد تعبّدك الهوى |
|
فاخضع لحبّك كائنا من كانا |
وقال ابن المبارك :
ومن البلاء للبلاء علامة |
|
ألا يرى لك عن هواك نزوع |
العبد أعنى النّفس فى شهواتها |
|
والحرّ يشبع تارة ويجوع. (١) |
ولابن دريد :
إذا طالبتك النّفس يوما بشهوة |
|
وكان إليها للخلاف طريق |
فدعها وخالف ما هويت فإنما |
|
هواك عدو والخلاف صديق |
وقال أبو عبيد الطوسي :
والنّفس إن أعطيتها مناها |
|
فاغرة نحو هواها فاها |
هذا ، وللآية إشارة آخري ، رويت عن بعض مشايخنا ، قال : يمكن أن تكون الآية مدحا ، يقول تعالى : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ) ، وهو الله تعالى ، ومحبوبه وهواه ، لا يهوى معه غيره ، وأضله الله ، فى محبته ، على علم منه بالله ، وختم على سمعه وقلبه بمحبته ، فلا يسمع إلا منه ، ولا يحب غيره ، وجعل على بصره غشاوة ، فلا يرى سواه ، فمن
__________________
(١) انظر ديوان ابن المبارك (ص ٨٢) والبيت فيه : [والعبد عبد النّفس] كما جاء البيتان فى ديوان سيدنا علىّ بن أبى طالب رضي الله عنه ، (ص ١٢٢) ومعهما بيت ثالث ، هو :
وكفاك من عبر الحوادث أنه |
|
يبلى الجديد ويحصد المزروع |