قلت (أم) : منقطعة ، والهمزة لانكار الحسبان ، من قرأ «سواء» بالرفع (١) ؛ فخبر مقدم ، (ومحياهم) : مبتدأ ، ومن قرأ بالنصب ؛ فحال من ضمير الظرف ، أي : كائنين كالذين آمنوا ، حال كونهم مستويا محياهم ومماتهم ، و «محياهم» ـ حينئذ ـ : فاعل بسواء ، وقرأ الأعمش : «ومماتهم» بالنصب على الظرفية.
يقول الحق جل جلاله : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا) ؛ اكتسبوا (السَّيِّئاتِ) من الكفر والمعاصي ، وسميت الأعضاء جوارح ؛ لاكتسابها الخير والشر ، ويقال : فلان جارحة أهله ؛ أي : كاسبهم ، أي : أظنوا أن نصيّرهم (كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) ، وهم فيما هم فيه من محاسن الأعمال ، ونعاملهم معاملتهم فى رفع الدرجات ، أي : حتى يكونوا (سَواءً) فى (مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) ، كلّا ، بل نجعل أهل الإيمان فى محياهم ومماتهم متنعمين بطاعة مولاهم ، مطمئنين به ، يحيون حياة طيبة ، ويموتون موتة حسنة ، وفى مماتهم مكرمين بلقاء مولاهم ، فى روح وريحان ، وجنات نعيم ، ونجعل أهل الكفر والعصيان فى محياهم فى ذلّ المعصية ، وكد الحرص وكدر العيش ، وفى الممات فى ضيق العذاب الخالد ، (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) أي : ساء حكمهم هذا ، أو : بئس شيئا حكموا به.
قال النّسفى : والمعنى إنكار أن يستوى المسيئون والمحسنون محيا ومماتا ؛ لافتراق أحوالهم أحياء ، حيث عاش هؤلاء على القيام بالطاعات ، وأولئك على اقتراف السيئات ، ومماتا ، حيث مات هؤلاء على البشرى بالرحمة والكرامة ، وأولئك على اليأس من الرّحمة والنّدامة. وقيل : معناه : إنكار أن يستووا فى [الممات ، كما استووا فى] (٢) الحياة فى الرّزق والصحة. ساء ما يحكمون ، فليس من أقعد على بساط الموافقة ، كمن أبعد فى مقام المخالفة ، بل تفرّق بينهم ، فنعلى المؤمنين ، ونخزى الكافرين. ه.
وسبب نزول الآية : افتخار وقع للكفار على المؤمنين ، قالوا : لئن كانت آخرة كما تزعمون لنفضلن فيها كما فضلنا فى الدنيا ، فردّ الله عليهم ، وأبطل أمنيتهم (٣).
(وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) لتدل على قدرته على البعث وغيره ، قال البيضاوي : كأنه دليل على الحكم السابق ، من حيث إن خلق ذلك بالحق المقتضى للعدل ، يقتضى انتصار المظلوم من الظالم ، والتفاوت بين المحسن والمسيء ، إذا لم يكن فى المحيا كان بعد الممات. ه. (وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) : عطف
__________________
(١) قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر برفع «سواء» وقرأ حفص وحمزة والكسائي وخلف بالنصب. انظر الإتحاف ٢ / ٤٦٧.
(٢) ما بين المعقوفتين من تفسير النّسفى ، وأثبته لاقتضاء السياق ذلك.
(٣) ذكره البغوي فى التفسير (٧ / ٢٤٤).