يكثر فى غيرهم. (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) ؛ ما أحلّ الله لهم من اللذائذ ، كالمن والسلوى ، وغيره من الأرزاق ، (وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) ؛ على عالمى زمانهم.
(وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ) ؛ دلائل ظاهرة من أمر الدين ، ومعجزات قاهرة. قال ابن عباس : هو العلم بمبعث النّبى صلىاللهعليهوسلم ، وما بيّن لهم من أمره ، وأنه يهاجر من تهامة إلى يثرب ، ويكون أنصاره أهل يثرب ، (فَمَا اخْتَلَفُوا) فى ذلك الأمر (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) بحقيقته وحقيّته ، فجعلوا ما يوجب زوال الخلاف موجبا له ، (بَغْياً بَيْنَهُمْ) أي : عداوة وحسدا ، حدث بينهم ، لا شك وقع لهم فيه ، (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) بالمؤاخذة والجزاء (فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) من أمر الدين.
الإشارة : كانت بنو إسرائيل فى أول أمرها متمسكة بكتاب ربها ، عاملة بما شرعت لها أنبياؤها ، فرفع الله بذلك قدرها ، حتى تحاسدوا ، وتهاجروا على الدنيا والرّئاسة ، فأعقبهم الله ذل الأبد ، فهذه سنّة الله تعالى فى عباده ، من تمسك بالكتاب والسنة ، وزهد فى الدنيا ، وتواضع لعباد الله ، رفعه الله وأعزه ، فإذا خرج عن هذا الوصف انعكس حاله إلى أسفل ، والعياذ بالله.
ولما ذكر شريعة موسى أعقبه بشريعة نبينا ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، فقال :
(ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (١٨) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (١٩) هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٢٠))
يقول الحق جل جلاله : (ثُمَّ جَعَلْناكَ) يا محمد بعد اختلاف أهل الكتاب ، (عَلى شَرِيعَةٍ) ؛ على طريقة عظيمة الشأن ، ومنهاج واضح (مِنَ الْأَمْرِ) ؛ الدين ، وأصل الشريعة فى اللغة : مورد الماء ، أي : الطريق الموصلة إليه ، ثم جعل للطريق الموصلة إلى حياة القلوب والأرواح ؛ لأن الماء به حياة الأشباح ، (فَاتَّبِعْها) بإجراء أحكامها فى نفسك وفى غيرك ، من غير إخلال بشىء منها. قال ابن عرفه : الخطاب له عليهالسلام ، والمراد غيره ؛ لأنه معلوم الاتباع التام ، أو : دم على اتباعها. ه.
(وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) أي : لا تتبع آراء الجهلة واعتقاداتهم الزائغة التابعة للشهوات ، وهم رؤساء قريش ، كانوا يقولون له صلىاللهعليهوسلم : ارجع إلى دين آبائك. (إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً) مما أراد بك إن اتبعتهم ، أي : لن ينفعونك بدفع ما ينزل بك بدلا من الله شيئا إن اتبعت أهواءهم ، (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ