الإشارة : مذهب الصوفية : العفو عمن ظلمهم ، والإحسان إلى من أساء إليهم ؛ لأنهم رحمة للعباد ، ومقصدهم بذلك رضا الله ، لأن الخلق عيال الله ، وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله. قال اللجائى رضي الله عنه فى شمائل الخصوص : قصد السادات بالعفو عمن ظلمهم ، ابتغاء مرضاة الله ، لا ابتغاء الثواب ، فإنه تعالى يحب العفو ، وتسمّى به. ومقصدهم بالعفو أيضا : قطع العداوة والحقد عن الظالم ، وترك الانتصار منه ، بيد أو لسان ، استعدادا منهم لسلامة الصدور. ومقصدهم أيضا : زوال الذّلة عن الظالم فى موقف الحساب ، من أجل ما يطالب به من الحقوق ، وهو ضرب من الشفقة على العبيد ، وهو مقام محمود ، فشأنهم رضا الله عنهم إذا حلّ بالعباد فى الموقف بلاء ، أرادوا أن يكونوا للخلق فداء ، فهذا أدنى مقام فى العفو. ه.
وفى الحديث : «إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة ، نادى مناد : أين أهل الفضل ، فيقوم ناس ، وهم يسير ، فينطلقون إلى الجنة سراعا ، فتتلقاهم الملائكة ، فيقولون : إنّا نراكم سراعا؟ فيقولون : نحن أهل الفضل ، فيقولون : وما فضلكم؟ فيقولون : كنا إذا ظلمنا صبرنا ، وإذا جهل علينا حلمنا ، فيقال لهم : ادخلوا الجنة : فنعم أجر العاملين» (١).
قال القشيري بعد كلام : فمن أراد أن يعرف كيف يحفظ أولياءه ، وكيف يدمّر أعداءه ، فليصبر على أيام قلائل ، ليعلم كيف صارت عواقبهم ، من عمل صالحا فله مهناه ، ومن ارتكب سيئة قاسى بلواه ، ثم مرجعه إلى مولاه. ه.
ثم ذكر ما منّ به على بنى إسرائيل ، بعد ما ذكر ما منّ به على عباده جملة ، فقال :
(وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٦) وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٧))
يقول الحق جل جلاله : (وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ) أي : الفصل بين العباد ، لأن الملك لم يزل فيهم حتى غيّروا ، أو : الحكمة النّظرية والعملية والفقه فى الدين ، (وَالنُّبُوَّةَ) ؛ حيث كثر فيهم الأنبياء ما لم
__________________
(١) رواه الأصبهانى فى الترغيب (٢٣٧٤) عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده.