الإشارة : كل من غفل عن ذكر الله تسلط الشيطان على قلبه بالوسوسة والخواطر الردية ، وقد ورد فى الحديث : إن قلب ابن آدم بين ملك وشيطان ، فإذا ذكر الله قرب الملك منه وانخنس الشيطان (١) ، وإذا غفل عن ذكر الشيطان قرب منه ، فلا يزال يوسوسه ويمنيه حتى يغفله عن الله. ولا شك أن الذكر الذي يصرف الشيطان عن القلب إنما هو الذكر القلبي لا اللساني ، فكم من ذاكر بلسانه وقلبه مشغول بهواه ، فذكر اللسان نتائجه الأجور ، وذكر القلوب نتائجه الحضور ورفع الستور ، وشتان بين من همه الحور والقصور ، ومن همه الحضور ورفع الستور ، هذا من عامة أهل اليمين ، وهذا من خاصة المقربين ، فإن أردت يا أخى ذكر القلوب ، ولمعان أسرار الغيوب ، فاصحب الرجال ، حتى ينقلوك من عالم الطبيعة إلى عالم الروحانية ، وإلا بقيت فى عالم الأشباح.
قال القشيري : من لم يعرف قدر الخلوة مع الله ، فحاد عن ذكره ، وأخلد إلى الخواطر الرديّة ، قيّض الله له من يشغله عن الله ـ وهذا جزاء من ترك الأدب فى الخلوة. وإذا اشتغل العبد فى خلوته مع ربّه ، وتعرّض له من يشغله عن ربه ، صرفه الحق عنه بأى وجه كان .. ويقال : أصعب الشياطين نفسك ، والعبد إذا لم يعرف قدر فراغ قلبه ، واتّبع شهوته ، وفتح ذلك الباب على نفسه ، بقي فى يد هواه أسيرا ، لا يكاد يتخلص منه إلا بعد مدة. ه.
[وقال فى الإحياء : للشيطان جندان ؛ جند يطير ، وجند يسير ، والوسواس عبارة عن حركة جنده الطيار ، والشهوة عبارة عن حركة جنده السيار. ثم قال : فتحقق أن الشيطان من المنظرين ، فلا يتواضع لك بالكف عن الوسواس إلى يوم الدين ؛ إلا أن تصبح وهمومك هم واحد ، وهو الله ، فيشتغل قلبك بالله وحده ، فلا يجد الملعون مجالا فيك ، فعند ذلك تكون من عباد الله المخلصين ، الداخلين فى الاستثناء من سلطنته. ولا تظن أن يفرغ منه قلب فارغ من ذكر الله ، بل هو سيال يجرى من ابن آدم مجرى الدم ، وسيلانه مثل الهواء فى القدح ، إن أردت أن يخلو عن الهواء من غير أن تشغله بالماء أو غيره ، فقد طمعت فى غير مطمع ، بل بقدر ما يخلو من الماء يدخل فيه من الهواء لا محالة ، فكذلك القلب المشغول بتفكر مهم فى الدين ، يخلو عن جولان الشيطان ، وإلا فمن غفل عن الله ، ولو لحظة ، فليس له فى تلك اللحظة قرين إلا الشيطان ، ولذلك سبحانه : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ). ه. المرا منه] (٢).
__________________
(١) هذا معنى حديث ، ولفظه : «إن الشيطان واضع حطمه على قلب ابن آدم ، فإن ذكر الله خنس ، وإن نسى التقم قلبه» رواه أبو يعلى فى مسنده (١٧ / ٤٣٠) والبيهقي فى الشعب (٥٤٠) ، قال الهيثمي فى مجمع الزوائد (٧ / ١٤٩) : رواه أبو يعلى : وفيه عدى بن أبى عمارة ، وهو ضعيف.
(٢) ما بين المعكوفتين من هامش النسخة الأم ، وليس فى غيرها.