أي : بعد المشرق والمغرب ، أي : تباعد كلّ منهما من صاحبه ، فغلب المشرق على المغرب ، كما قيل : القمران والعمران ، وأضيف البعد إليهما ، (فَبِئْسَ الْقَرِينُ) أنت.
قال تعالى : (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ) أي : يوم القيامة (إِذْ ظَلَمْتُمْ) أي : حين صحّ وتبيّن ظلمكم وكفركم ، ولم تبق لكم ولا لأحد شبهة فى أنكم كنتم ظالمين. و «إذ» : بدل من اليوم. وقوله : (أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) : فاعل ينفع ، أي : لن ينفعكم يوم القيامة اشتراككم فى العذاب ، كما كان فى الدنيا يهون عليكم المصيبة اشتراككم فيها ، لتعاونكم فى تحمل أعبائها وتقسيمكم لعنائها ، ولذلك قيل : المصيبة إذا عمّت هانت ، وإذا خصت هالت ، وفى ذلك تقول الخنساء :
ولو لا كثرة الباكين حولى |
|
على إخوانهم لقتلت نفسى |
ولا يبكون مثل أخى ولكن |
|
أعزّى النّفس عنه بالتأسّى (١) |
أما هؤلاء فلا يؤسّيهم اشتراكهم ، ولا يروّحهم ، لأن بكلّ منهم ما لا تبلغه طاقة ، وقد ورد أنهم يكونون فى توابيت من نار ، لا يرى أحد صاحبه ، بل يظن أنه وحده فيها. وقيل : الفاعل مضمر ، أي : ولن ينفعكم هذا التمني ، أو هذا الاعتذار ؛ لأنكم فى العذاب مشتركون ؛ لاشتراككم فى سببه ، وهو الكفر ، ويؤيده : قراءة من قرأ : «إنكم» بالكسر.
وكان صلىاللهعليهوسلم يبالغ فى المجاهدة فى دعاء قومه ، وهم لا يزيدون إلا غيا وتعاميا عما يشهدونه من شواهد النّبوة ، وتصامما عما يسمعونه من القرآن ، فأنزل الله تعالى : (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ) ، وهو إنكار وتعجيب من أن يكون هو الذي يقدر على هدايتهم ، وقد تمرنوا فى الكفر ، واستغرقوا فى الضلال ، حيث صار ما بهم من العشى عما مقرونا بالصمم ، أي : أفأنت تقدر أن تسمع من فقد سمع القبول ، أو تهدى من فقد بصر الاستبصار. (وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي : ومن كان فى علم الله أنه يموت على الضلال. ومدار الإنكار هو التمكن والاستقرار فى الضلال المفرط ، بحيث لا ارعواء له منه ، لا توهم القصور من قبل الهادي ، ففيه رمز فى أنه لا يقدر على ذلك إلا الله.
(فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ) أي : فإن قبضناك قبل أن ننصرك على أعدائك ، ونشفى صدور لمؤمنين منهم ، (فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ) أشد الانتقام فى الآخرة. (أَوْ نُرِيَنَّكَ) العذاب (الَّذِي وَعَدْناهُمْ) بل أن نتوفينك ، كما وقع بهم يوم بدر ، (فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ) بحيث لا ناصر لهم من حلول نقمتنا وقهرنا. و «إما» : شرط دخلت «ما» على «إن» توكيدا للشرط ، وزاد التوكيد نون الثقيلة.
__________________
(١) انظر البحر المحيط (٨ / ١٧) تفسير القرطبي (٧ / ٦٠٩٤).