وقيل : «سخريا» أي : يسخر بعضهم من بعض.
(وَرَحْمَتُ رَبِّكَ) أي : النبوة ، أو : الدين وما يتبعه من الفوز فى المآب ، (خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) أي : مما يجمع هؤلاء من حطام الدنيا الدنية الفانية.
الإشارة : مما جرى فى طبع النّاس أنهم لا يقرون الولاية إلا فيمن عظم جاهه ، وكثر طعامه ، أو كثرت صلاته ، أو كان مجذوبا مصطلما ، أو : سبقت فى أسلافه ، وهذا خطأ ، فإن الولاية سر من أسرار الله ، أودعها قلوب أصفيائه ، لا تظهر على جوارحهم ، ولا تكون فى الغالب إلا فى أهل التجريد ، وأهل الخمول ، أخفاها الله فى عباده ، فمن ادعاها من غير تجريد ولا تخريب ، فهو مدع ، ولذلك قال أبو المواهب رضي الله عنه : من ادعى شهود الجمال ، قبل تأدبه بالجلال ، فارفضه فإنه دجال.
ويقال لمن أنكر على أهلها من أهل التجريد : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ...) الآية ، ورحمة ربك ـ هى سر الخصوصية ـ خير مما يجمعون.
وقال القشيري على قوله تعالى : (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ ...) إلخ ، بعد كلام : ثم إنه تعالى قسم [لبعض لعباده] (١) النعمة والغنى ، ولقوم الفقر والقلّة ، وجعل لكلّ واحد منهم مسكنا يسكنون إليه ، ويستقلون به ، فللأغنياء وجود الإنعام ، وجزيل الأقسام ، فشكروا واستبشروا ، وللفقراء شهود القسّام ، فحمدوا وافتخروا ، فالأغنياء وجدوا النّعمة فاستغنوا وانشغلوا ، والفقراء سمعوا قوله : «نحن» فاشتغلوا ، وفى الخبر : أنه صلىاللهعليهوسلم قال للأنصار : «أما ترضون أن يرجع الناس بالشاء والبعير ، وترجعوا برسول الله إلى أهليكم؟ والله ما تنقلبون به خير مما ينقلبون» (٢) ه.
قوله تعالى : (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ ...) إلخ ، قد سبقت أقسام الرّزق قبل ظهور الخلق ، فالواجب انتظار القسمة ، والرّضا بما قسم ، كما قال الشاعر :
اقنع بما قسم الرّزّاق من قسم |
|
وسلّم الأمر فالرزاق مختار |
لا تجزعن ولا تبطر على محن |
|
أو منح ، فإنما هى أحكام وأقدار |
واقنع بكلّ الذي يجرى الزمان به |
|
ولا يكن منك للمغرور انكسار. |
__________________
(١) فى الأصول [لعباده] والمثبت من القشيري ، وهو الأنسب.
(٢) أخرجه مسلم فى (الزكاة ، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم ... ، ٢ / ٧٣٤ ، ح ١٠٥٩) وبنحوه البخاري فى (مناقب الأنصار باب مناقب الأنصار ح ٣٧٧٨) من حديث أنس رضي الله عنه.