بعصيانه ، ولم
يدخل خلل فى عرفانه ، فإنه لا يمنع عنه رؤية لطائف غفرانه. ه. يعنى : أن الحق جل
جلاله لم يقطع كلامه عمن تمادى فى ضلاله ، فكيف يقطع إحسانه عمن تمسك بإيمانه ،
ولو أكثر من عصيانه. وكذلك أهل النّسبة التصوفية ، إذا اعوجّ أخوهم ، لا يقطعون
عنه كلامهم وإحسانهم ، بل يلاطفونه ، حتى يرجع ، وهذا مذهب الجمهور.
ثم سلّى نبيه بمن
قبله ، فقال :
(وَكَمْ أَرْسَلْنا
مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (٦) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ كانُوا
بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٧) فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضى مَثَلُ
الْأَوَّلِينَ (٨))
يقول
الحق جل جلاله : (وَكَمْ أَرْسَلْنا) أي : كثيرا أرسلنا قبلك (مِنْ نَبِيٍّ فِي
الْأَوَّلِينَ) ؛ فى الأمم الماضية ؛ فكذّبوهم واستهزءوا بهم. (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا
كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) ، فاصبر كما صبروا. ويحتمل أن يكون تقريرا لما قبله ؛
لبيان أن إسراف الأمم السابقة لم يمنعه تعالى من إرسال الرّسل إليهم ، وكونها
تسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم أظهر. (فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ
مِنْهُمْ بَطْشاً) أي : فأهلكنا من الأمم السالفة من كان أكثر منهم طغيانا
وإسرافا ، (وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ) أي : سلف فى القرآن غير مرة ذكر قصة الأولين ، وهى عدة له صلىاللهعليهوسلم ، ووعيد لقومه ، بطريق الأولوية. فمثل ما جرى على الأولين
يجرى على هؤلاء ؛ لاشتراكهم فى الوصف. وظاهر الآية : أن النبي والرّسول واحد ،
والمشهور : أن النّبى أعم ، ف كل رسول نبى ، ولا عكس ، فالنبى مقصور فى الحكم على
نفسه ، والرّسول نبىّ مكلف بالتبليغ.
الإشارة
: ما سليت به
الأنبياء والرّسل يسلّى به الأولياء ؛ لأنهم خلفاؤهم ، ف كل من أوذى واستهزئ به
يتذكر ما جرى على من كان أفضل منه من الأنبياء وأكابر الأولياء ، فيخف عليه الأذى.
وبالله التوفيق.
ثم ذكر إقرارهم
بوجود الصانع ، فقال :
(وَلَئِنْ
سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ
الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ
لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ
السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ