(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ) ؛ القرآن (لَمَّا) حين (جاءَهُمْ) مخلدون فى النار ، أو : هالكون ، أو : معاندون ، فخبر «إن» محذوف ، دلّ عليه ما قبله. وقيل : بدل من قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا) فخبر «إن» هو الخبر السابق ، وقال عمرو بن العلاء : الخبر : (أُولئِكَ يُنادَوْنَ) (١) ، وردّ بكثرة الفصل.
ثم فسّر الذكر المذكور بقوله : (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ) ، منيع ، محمىّ بحماية الله ، لا تتأتى معارضته بحال ، أو : كثير المنافع ، عديم النّظير ، (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) أي : لا يتطرقه الباطل من جهة من الجهات ، أو : لا يأتيه التبديل والتحريف ، أو : التناقض بوجه من الوجوه ، وأما النّسخ فليس بمبطل للمنسوخ ، بل هو : انتهاء حكم إلى مدة وابتداء حكم آخر ، خلافا لمن احتج بالآية على عدم النّسخ فى القرآن ، انظر ابن عرفه. (تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) أي : تنزيل من حكيم محمود ، ف «تنزيل» : خبر عن مضمر ، أو : صفة أخرى لكتاب ، مفيدة لفخامته الإضافية ، كما أن الصلتين السابقتين ، مفيدتان لفخامته الذاتية ، كل ذلك لتأكيد بطلان الكفر به وبشاعة قبحه.
الإشارة : إن الذين يلحدون فى آياتنا ، فيطعنون فى أوليائنا ، الدالين علينا ، لا يخفون علينا ، وسيلقون فى نار القطيعة والبعد مع عموم الخوف من هول المطّلع ، أفمن يلقى فى النار خير أم من يأتى آمنا يوم القيامة؟ اعملوا ما شئتم من التسليم أو الانتقاد ، وكلّ من لا يصحب الرجال لا يخلو خاطره من شك أو وهم فى مواعيد القرآن ، كالرزق وغيره ، ينسحب عليه قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ ...) الآية ، من طريق الإشارة. والله تعالى أعلم.
وقوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ) قال الشيخ عبد الرحمن اللجاى فى كتاب «قطب العارفين» : الكتاب عزيز ، وعلم الكتاب أعز ، والعلم عزيز ، والعمل به أعز ، والعمل عزيز ، والذوق أعز ، والذوق عزيز ، والمشاهدة فى الذوق أعز ، والمشاهدة عزيزة ، والموافقة فى المشاهدة أعز ، والموافقة عزيزة ، والأنس فى الموافقة أعز ، والأنس عزيز ، وآداب الأنس أعز. ثم قال : لكن لا يستنشق رائحة هذه المقامات من غلب جهله على علمه ، وهواه على عقله ، وسفهه على حلمه. ه.
ثم سلّى نبيه من تكذيب قومه ، فقال :
(ما يُقالُ لَكَ إِلاَّ ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ
__________________
(١) من الآية ٤٤ من سورة فصلت.