الإشارة : الليل والنهار والشمس والقمر خلقهن من أجلك ، فعار عليك أن تخضع لما خلق لك ، وتترك المنعم بها عليك. قال القشيري : الحق ـ سبحانه ـ يأمرك بصيانة وجهك عن الشمس والقمر مع علوهما ، وأنت لأجل حظّ خسيس تنقل قدمك إلى كلّ أحد ، وتذل وجهك لكل أحد. ه. وأما الخضوع لمن أمر الله بالخضوع له من الدعاة إلى الله فهو من الخضوع لله ، كأمر الملائكة بالسجود لآدم ، وكأمره بالخضوع للأنبياء والأولياء ، فكان مآل من سجد وخضع التقريب ، ومآل من استكبر وأنف الطرد والبعد ، والله تعالى غنى عن الكل ، ولذلك قال : (فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا ...) الآية.
قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً ...) الآية ، وكذلك أرض النّفوس تراها يابسة بالغفلة والقسوة والجهل ، فإذا أنزل عليها ماء الحياة ، وهى خمرة المحبة ، هاجت وارتفعت ، وحييت بذكر الله ومعرفته ، إن الذي أحيا الأرض الحسية قادر على إحياء النفوس الميتة بالغفلة ، وانظر القشيري (١).
ثم ذكر حال من أعرض عن الآيات ، فقال :
(إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤٠) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (٤١) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢))
يقول الحق جل جلاله : (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا) أي : يميلون عن الحق فى أدلتنا التكوينية ، الدالة على وحدانيتنا ، فلا ينظرون فيها ، أو : يلحدون فى آياتنا التنزيلية ، بالطعن فيها ، وتحريفها ، بحملها على المحامل الباطلة ، (لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا) ، بل نجازيهم على ذلك. يقال : ألحد الكافر ولحد : إذا مال عن الاستقامة عن الحق.
ثم ذكر جزاءهم فقال : (أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ). قيل : نزلت فى أبى جهل وعثمان (٢) ، وهى عامة ، (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) من الأعمال المؤدية إلى ما ذكر من الإبقاء فى النار ، والإتيان آمنا ، وفيه تهديد وتنديد. (إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فيجازيكم بحسب أعمالكم.
__________________
(١) راجع لطائف الإشارات (٣ / ٣٣٤).
(٢) قاله مقاتل ، فيما ذكره أبو حيان ، فى البحر المحيط (٧ / ٤٧٨). وانظر تفسير القرطبي (٧ / ٥٩٨٧).