الإشارة : فاصبر أيها المتوجه إلى الله على الأذى وحمل الجفاء ، فإما أن ترى ما وعد أهل الإنكار على الأولياء ، من التدمير ، وقطع الدابر ، فى حياتك ، أو يلحقهم بعد موتك. ولقد أوذى من قبلك ، منهم من عرفت ومنهم من لم تعرف ، وما صحّ لأحد منهم أن يظهر كرامة إلا بإذن الله ، فإذا جاء أمر الله وقامت القيامة ، قضى بالحق ، فيرتفع أهل الصبر من المقربين ، فى أعلى عليين ، وينخفض أهل الإذاية فى أسفل سافلين.
ثم ذكّرهم بالنعم الحسية ، فقال :
(اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٧٩) وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٨٠) وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ (٨١))
يقول الحق جل جلاله : (اللهُ الَّذِي جَعَلَ) ؛ خلق (لَكُمُ الْأَنْعامَ) ؛ الإبل (لِتَرْكَبُوا مِنْها ، وَمِنْها تَأْكُلُونَ) أي : لتركبوا بعضها ، وتأكلوا بعضها ، وليس المراد : أن الرّكوب والأكل مختص ببعض معين منها ، بحيث لا يجوز تعلقه بالآخر ، بل على أن بعضا منها صالح لكلّ منهما. (وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ) أخر غير الرّكوب ، كألبانها وأوبارها وجلودها ، (وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً) أي : ما تحتاجون إليه من حمل أثقالكم من بلد إلى بلد ، (فِي صُدُورِكُمْ) ؛ فى قلوبكم ، (وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) أي : وعليها فى البر ، وعلى الفلك فى البحر تحملون ، ولعل المراد به : حمل النّساء والولدان عليها بالهودج ، وهو السر فى فصله عن الرّكوب. والجمع بينها وبين الفلك فى الحمل ؛ لما بينهما من المناسبة ، حتى سميت الإبل : سفائن البر.
وقيل : المراد بالأنعام : الأزواج الثمانية ، على أن المعنى : لتركبوا بعضها ، وهى الإبل ، وتأكلوا بعضها ، وهى الغنم والبقر ، فذكر ما هو الأهم من كلّ ، والمنافع تعم الكل ، وبلوغ الحاجة تعم الإبل والبقر. وقال الثعلبي : التقدير : لتركبوا منها بعضا ، ومنها تأكلون ، فحذف «بعضا» للعلم به.
(وَيُرِيكُمْ آياتِهِ) ؛ دلائله الدالة على قدرته ووفور رحمته ، (فَأَيَّ آياتِ اللهِ) أي : فأىّ آية من تلك الآيات الباهرة (تُنْكِرُونَ)؟ فإن كلّا منها من الظهور بحيث لا يكاد يجترىء على إنكارها من له عقل فى الجملة. وإضافة آية إلى الاسم الجليل ؛ لتربية المهابة ، وتهويل إنكارها ، و «آيات» نصب بتنكرون ، وتذكير «أىّ» مع