يقول الحق جل جلاله : (فَاصْبِرْ) يا محمد على أذى قومك ، وانتظر ما يلاقوا مما أعد لهم. (إِنَّ وَعْدَ اللهِ) بإهلاكم وتعذيبهم (حَقٌ) ؛ كائن لا محالة ، (فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) من الهلاك ، كالقتل والأسر فى حياتك ، (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) قبل هلاكهم بعدك ، (فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) لا محالة ، ف «ما» : صلة بعد «إن» ، لتأكيد الشرطية ، والجواب : محذوف ، أي : فإن نرينك بعض ما نعدهم فذاك ، أو نتوفينك قبل ذلك فإلينا يرجعون يوم القيامة ، فننتقم منهم أشد الانتقام.
ثم سلّاه بمن قبله ، فقال : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ) فأوذوا وصبروا حتى جاءهم نصرنا ، (مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ) فى القرآن ، (وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) ، قيل : عدد الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ مائة ألف وأربعمائة وعشرون ألفا ، والمذكور قصصهم فى القرآن أفراد معدودة. قال الطيبي : والصحيح ما روينا عن أحمد بن حنبل ، عن أبى ذر ، قلت : يا رسول الله ، كم عدد الأنبياء؟ قال : «مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا ، الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جما غفيرا» (١). ه. وقد تكلم فى الحديث بالضعف والصحة والوضع ، وقيل : عدتهم ثمانية آلاف ، أربعة آلاف نبىّ من بنى إسرائيل ، وأربعة آلاف من سائر النّاس. وعن علىّ ـ كرم الله وجهه : «إن الله تعالى بعث نبيا أسود ، فهو ممن لم تذكر قصته فى القرآن» (٢). فقوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) أي : فى القرآن ، فلا ينافى إخباره بمطلق العدد على ما فى حديث أبى ذر.
(وَما كانَ) أي : ما صحّ ، ولما استقام (لِرَسُولٍ) منهم (أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ) مما اقترح عليه قومه ، (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ). فإنّ المعجزات على تشعب فنونها ، عطايا من الله تعالى ، قسمها بينهم على حسب المشيئة ، المبنية على الحكم البالغة ، وهذا جواب اقتراح قريش على رسول الله الآيات ؛ عنادا ، يعنى : إنّا قد أرسلنا كثيرا من الرّسل ، وما استقام لأحد منهم أن يأتى بآية (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) ومشيئته ، فمن لى بأن آتى باية مما تقترحونه إلّا أن يشاء الله ، ويأذن فى الإتيان بها؟ (فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ) بهلاكهم ، أو : بقيام الساعة ، (قُضِيَ بِالْحَقِ) أي : بإنجاء المحق وإثابته ، وإهلاك المبطل وتعذيبه ، (وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ) أي : المعاندون المقترحون للآيات ، أو : المتمسكون بالباطل ، فيدخل المقترحون المعاندون دخولا أوليا.
__________________
(١) أخرجه مطولا ، أحمد فى المسند (٥ / ٢٦٦) وابن حبان (موارد ، كاب العلم ، باب السؤال للفائدة ح ٩٤).
(٢) أخرجه الطبري (٢٤ / ٨٧) والطبراني فى الأوسط (ح / ٩٣١٩) ، زاد ابن حجر فى الكافي (رقم ٣٤٤) عزوه لابن مردويه.