دونه لشيء ممّا سواه ، لا ذاتا ولا وصفا ولا فعلا ، بل هو القائم على الكلّ على ما يليق بكبريائه جلّ جلاله.
فالإنسان ـ وهو في المرتبة السابقة ـ ربّما أخذته العناية الإلهيّة وهيّأته للإيمان بأنّ الملك لله ، لا يملك شيء لنفسه شيئا إلّا به ، لا ربّ سواه ، وهذا معنى وهبيّ اختصاصيّ لا تأثير لاختيار الإنسان فيه ، وهو قوله سبحانه حكاية عن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ : (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا) (١) فإنّ إبراهيم ـ عليهالسلام ـ كان مسلما وقد أمره ربّه بالإسلام ، فأجابه به ووصّى بها بنيه ، وهو ـ مع ذلك ـ يسأله ذلك ، فالإسلام غير الإسلام ، وليس معناه : أدمنا على الإسلام لك بالتوفيق ، إذ لا وجه للعدول عن حاقّ المعنى إلى غيره ، بل هو معنى خارج عن عهدته وإختياره يسأل به ربّه.
ويتعقّبه الإيمان بهذه المرتبة وهو فعليّة ما يستدعيه هذا التهيؤ ، قال تعالى : (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ). (٢)
ويمكن أن يكون الاصطفاء والاجتباء اسمين لهذين ؛ أعني الإسلام والإيمان بهذا المعنى.
ومن مختصّات هذه المرتبة : أنّ المتحقّق بها لا يشتغل إلّا بربّه ، ولا يلي أمره إلّا ربّه سبحانه ، فلا يريد ولا يترك ولا يحبّ ولا يبغض ولا يلتذّ ولا يتألّم إلّا به وله سبحانه وتعالى.
وفي البحار عن إرشاد الديلمي ـ وذكر سندين لهذا الحديث ، وهو من أحاديث المعراج ـ وفيه : «قال الله سبحانه : يا أحمد! هل تدري أيّ عيش أهنى وأيّ
__________________
(١). البقرة (٢) : ١٢٨.
(٢). يونس (١٠) : ٦٢ ـ ٦٣.