الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ). (١)
فإن قلت : الهداية من الله ، وقد أثبت وقرّر في كلامه ، هدايته لجميع المهتدين ؛ أعمّ ممّا سمّيته هداية بالذات أو بالغير ، فمجرّد نسبة هدايته لجمع من عباده ـ كعدّة من الأنبياء كما في الآيات المزبورة ـ لا يستلزم ثبوت الإمامة.
قلت : نعم ، ولكنّه سبحانه ـ مع ذلك ـ نسب هداية بعض ممّن هداه إلى بعض آخر من عباده ، كقوله : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) (٢) وقوله : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٣) وهناك بعض آخر لم ينسب هدايتهم إلّا إلى نفسه سبحانه ، كبعض الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ ، فعلمنا بذلك أنّ بين الهدايتين فرقا ، وكذا بين الطائفتين من المهتدين ، على أنّه تعالى أضاف إلى ذلك أوصافا أوجبت تميّز الهدايتين ، مثل عدم التغيّر والتخلّف والعصمة وغير ذلك ، كما يعطيه سياق الآيات ، وفيها قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ) (٤) فإنّ ظاهرها أنّ هدايتهم نوع خاصّ من الهداية لا ترتفع عن موردها ، وهو تعالى حافظها أن تزول عمّا بين الناس ، كما يشير إليه قوله : (فَقَدْ وَكَّلْنا).
ولنرجع إلى بدء الكلام : فقوله تعالى : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) (٥) يدلّ على بقاء الإمامة ـ التي هي الهداية ـ في عقب إبراهيم ـ عليهالسلام ـ ، فقوله عليهالسلام في الرواية : «يعني بذلك الإمامة جعلها في عقب الحسين إلى يوم
__________________
(١). الفاتحة (١) : ٦.
(٢). الأنبياء (٢١) : ٧٣.
(٣). الشورى (٤٢) : ٥٢.
(٤). الأنعام (٦) : ٨٩.
(٥). الزخرف (٤٣) : ٢٨.