أقول : وروى هذا المعنى أيضا الصدوق والعيّاشي والقمّي وغيرهم ، (١) وقد روي ما يقرب منها من طرق العامّة أيضا ، كما رواه في الدرّ المنثور عن النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ قال : «لمّا أذنب آدم الذنب الذي أذنبه ، رفع رأسه إلى السماء فقال : أسألك بحقّ محمّد إلّا غفرت لي ، فأوحى الله إليه ؛ ومن محمّد؟ فقال : تبارك اسمك! لمّا خلقتني رفعت رأسي إلى عرشك ، فإذا فيه مكتوب : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله ، فعلمت أنّه ليس أحد أعظم عندك قدرا ممّن جعلت اسمه مع اسمك ، فأوحى الله إليه : يا آدم إنّه آخر النبيّين من ذرّيّتك ، ولولاه ما خلقتك». (٢)
وهذا المعنى وإن كان بعيدا عن ظاهر الآيات ، لكنّك إذا أمعنت وتذكّرت ما مرّ ـ من أنّ التوبة من العبد توبة واحدة ، ومن الله سبحانه توبتان حفّت بهما توبة العبد ـ وجدت أنّه سبحانه في قوله : (ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) (٣) إنّما تعرّض لذكر توبته الثانية على آدم ، أعني توبته بعد توبته إليه سبحانه.
فيكون قوله : (ثُمَّ اجْتَباهُ) إجمالا للتوبتين ، أعني توبته سبحانه السابقة على توبة آدم وتوبة آدم ، فاجتباؤه سبحانه لآدم مجموع توبته عليه وتوبته إليه.
وكذلك قوله : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ) (٤) إنّما تعرّض لذكر توبته الثانية عليه ، فتلقّيه من ربّه كلمات إجمال توبته عليه وتوبته إليه.
__________________
(١). معاني الأخبار : ١٢٥ ، الحديث : ٢ ؛ تفسير العيّاشي ١ : ٤١ ، الحديث : ٢٧ ؛ الأمالي : ٧٥ ، الحديث : ٢ ؛ الكافي ١ : ٤١٦ ، الحديث : ٢٣ ؛ المناقب ٣ : ٣٢٠ ؛ كمال الدين ٢ : ٣٥٨ ـ ٣٥٩ ، الحديث : ٥٧ ؛ كشف اليقين : ١٤ ؛ كشف الغمة ١ : ٤٦٥ ؛ إرشاد القلوب ٢ : ٢١٠ ؛ ٢ :٤٢١ وغيرهم.
(٢). الدرّ المنثور ١ : ٥٨.
(٣). طه (٢٠) : ١٢٢.
(٤). البقرة (٢) : ٣٧.