المبحث الثالث
أسرار ترتيب سورة «الملك» (١)
أقول : ظهر لي بعد الجهد : أنه ، لمّا ذكر في آخر التحريم ، امرأتي نوح ولوط الكافرتين ، وامرأة فرعون المؤمنة ، افتتحت هذه السورة بقوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ) [الآية ٢] ، مرادا بهما الكفر والإيمان في أحد الأقوال ، للإشارة إلى أن الجميع بخلقه وقدرته ، ولهذا كفرت امرأتا نوح ولوط ، ولم ينفعهما اتصالهما بهذين النبيّين الكريمين ، وآمنت امرأة فرعون ، ولم يضرّها اتصالها بهذا الجبّار العنيد ، لما سبق في كلّ من القضاء والقدر.
ووجه آخر : وهو أن «تبارك» متصل بقوله في آخر الطلاق : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) [الآية ١٢]. فزاد ذلك بسطا في هذه الآية : (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ (٣) إلى قوله سبحانه : (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ). [الآية ٥] وإنّما فصلت بسورة التحريم لأنّها كالتتمة لسورة الطلاق.
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه : ١٩٧٨ م.