للكافرين عامّة عذاب جهنم وبئس المصير. وقد فصّل السياق من هولها ما فصّل ؛ ثمّ ذكر ، سبحانه ، أن الذين يخشونه لهم مغفرة وأجر كبير ، ليجمع بهذا بين الترهيب والترغيب ؛ ثمّ هدّدهم بأنّه يعلم سرّهم وجهرهم ، فيحاسبهم على كلّ أعمالهم ؛ واستدلّ على علمه بخلقه لهم ، وأنه لطيف خبير ؛ وذكر ، على سبيل التهديد أيضا ، أنّه مهّد لهم الأرض وهيّأ لهم فيها أسباب الرزق ، فإذا أصرّوا على كفرهم فإنهم لا يأمنون أن يخسفها بهم ، أو يرسل حاصبا من الريح فيهلكهم ؛ ثمّ أكّد ذلك التخويف بالمثال والدليل ، وذكر المثال في ما فعله بمن أصرّ على الكفر قبلهم ، وذكر الدليل في إمساكه الطير فوقهم ؛ ثم ذكر أنه ، إن أراد عذابهم ، فإنه لا ينجيهم منه ما يملكون من قوّة وجند ، وإن أمسك رزقه فإنه لا يرزقهم ما يتّخذون من آلهة ؛ ثم ذكر أنهم يعلمون ذلك ولكنهم يلجّون في عتوّ ونفور ؛ وأيد ما ذكره من وضوح أمرهم بتمثيل حالهم بمن يمشي مليّا على وجهه ، وتمثيل حال المؤمنين بمن يمشي سويّا على صراط مستقيم ، ثم عاد السياق إلى ذكر الدليل ، فذكر أنه ، جلّ شأنه ، هو الذي أنشأهم وجعل لهم السمع والأبصار والأفئدة ، وأنه هو الذي ذرأهم في الأرض وإليه يحشرون.
ثم ذكر أنهم يقولون على سبيل الاستهزاء متى هذا الوعد بالعذاب؟ وأمر النبي (ص) أن يجيبهم بأنّ علمه عنده ، وليس عليه إلّا أن ينذرهم به ، وبأنّهم حينما يرونه قريبا منهم تساء وجوههم ، ويقال لهم توبيخا : (هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ) (٢٧) أي تطلبون ؛ ثمّ أمره أن يخبرهم بأنه ، إن مات هو ومن معه أو تأخّر أجلهم ، فإنه لا بد من عذابهم ، ولا أحد يجيرهم منه ؛ ثمّ ختم السورة بأمره أن يذكر لهم أنه آمن به هو ومن معه وتوكّلوا عليه ؛ وأنّهم سيعلمون من هو في ضلال مبين : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) (٣٠).