أهله وهو يرتجف ويقول : «زمّلوني ، دثّروني» ففعلوا ، وظل يرتجف ممّا به من الرّوع ، وإذا جبريل يناديه ، كما ورد في التنزيل : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) (١).
وسورة «المزّمّل» تعرض صفحة من تاريخ الدعوة الإسلامية. إنّها تنادي النبيّ الكريم ، وتأمره بقيام الليل ، والصلاة وترتيل القرآن ، والذكر والخاشع المتبتّل ، والاتكال على الله وحده ، والصبر على الأذى ، والهجر الجميل للمكذّبين ، والتخلية بينهم وبين الجبّار القهّار.
وتنتهي السورة بلمسة الرفق والرحمة ، والتخفيف والتيسير ، والتوجيه للطاعات والقربات ، والتلويح برحمة الله ومغفرته : (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢٠).
والسورة ٢ مثّل صفحة من جهاد النبي الكريم ، وآله وصحبه الأبرار في سبيل الدعوة إلى الله سبحانه ، وحشد جميع الطاقات من أجل هذه الدعوة. فقد قام النبي (ص) في مكة والمدينة ، داعيا إلى الله صابرا محتسبا ، مهاجرا ، مجاهدا ، مربّيا ، ناشرا لدعوة الله بكل ما يملك ، منذ خاطبه تعالى بالقرآن : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) (٢).
وكان قيام الليل هو الزاد الروحيّ ، والتعبئة الإلهية لهذا القلب الكريم ، حتى يصدع بالدّعوة ، ويتحمّل في سبيلها كل بلاء ، وليصبر ويصابر ، وليحتسب كل جهد في سبيل الله : (وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) (١٠).
مع آيات السورة
[الآيات ١ ـ ٤] : أمر الله تعالى رسوله الأكرم أن يقوم ، من الليل ، ثلثه أو نصفه أو ثلثيه ؛ فهو مخيّر في ذلك ، وأن يقرأ القرآن الكريم على مهل وتؤدة ، مع حضور القلب ، لتدبّر معانيه ، وفهم مقاصده.
[الآية ٥] : والقرآن الكريم يسّره الله تعالى للقراءة ، ولكنه ثقيل في ميزان الحق ، ثقيل بأثره في القلوب ، ثقيل بقيمته الراجحة ، ومعانيه الراقية وما فيه من تكاليف وأعباء.
[الآية ٦] : إنّ قيام الليل هو أكبر موافقة بين القلب واللسان ، وأعدل قولا.
[الآية ٧] : وفي النهار متّسع لشئوون المعاش ، ولك فيه تصرف في مهام أمورك ، واشتغال بمشاغلك.