فإن قيل : لم قال تعالى : (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [الآية ٨٦] فشرط الإيمان في كون البقيّة خيرا لهم ، وهي خير لهم مطلقا لأن المراد ببقيّة الله ما يبقى لهم من الحلال ، بعد إيفاء الكيل والوزن ، وذلك خير لهم ، وإن كانوا كفّارا ، لأنهم يسلمون معه من عقاب البخس والتطفيف؟
قلنا : إنما شرط الإيمان في خيرية البقيّة ، لأن خيريتها وفائدتها مع الإيمان أظهر ، وهو حصول الثواب مع النجاة من العقاب ، ومع فقد الإيمان أخفى لانغماس صاحبها في عذاب الكفر ، الذي هو أشدّ العذاب. الثاني : أن المراد إن كنتم مصدّقين ، فيما أقول لكم وأنصح.
فإن قيل : لم قال تعالى : (وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) (٨٩) ولم يقل ببعيدين والقوم اسم لجماعة الرجال ، وما جاء في القرآن الضمير العائد اليه إلا ضمير جماعة ، قال الله تعالى (أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ) [نوح / ١] وقال تعالى (لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) [الحجرات / ١١].
قلنا : فيه إضمار تقديره : وما هلاك قوم لوط او مكان قوم لوط ، ومكان قوم لوط كان قريبا منهم ، وإهلاكهم أيضا كان قريبا من زمانهم. الثاني : أن فعيلا يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع ، قال الجوهري : يقال ما أنتم منا ببعيد ، وقال الله تعالى (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) (٤) [التحريم] وقال سبحانه (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) (١٧) [ق].
فإن قيل : قولهم ، كما ورد في التنزيل : (وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ) (٩١) كلام واقع فيه وفي رهطه وأنهم الأعزة عليهم دونه ، فكيف صح قوله كما ورد في التنزيل أيضا (أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ) [الآية ٩٢]؟
قلنا : تهاونهم به وهو نبي الله تهاون بالله ، فحين عزّ رهطه عليهم دونه ، كان رهطه أعزّ عليهم من الله ، ألا ترى الى قوله تعالى : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) [النساء / ٨٠] وقوله سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) [الفتح / ١٠].
فإن قيل : قد ذكر عملهم على مكانتهم وعمله على مكانته ، ثم أتبعه بذكر عاقبة العاملين منه ومنهم ، فكان المطابق والموافق في ظاهر الفهم أن