المبحث الثالث
أسرار ترتيب سورة «يونس» (١)
أقول : قد عرف وجه مناسبتها فيما تقدم في سورة الأنفال. ونزيد هنا : أن مطلعها شبيه بمطلع سورة الأعراف ، وأنه سبحانه قال فيها : (أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا) [الآية ٢] فقدّم الإنذار وعمّمه ، وأخّر البشارة وخصّصها. وقال تعالى في مطلع الأعراف : (لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) (٢). فخص الذكرى وأخّرها ، وقدّم الإنذار ، وحذف مفعوله ليعمّ.
وقال هنا : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) [الآية ٣]. وقال في الأوائل ، أي أوائل الأعراف مثل ذلك (٢).
وقال هنا : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) [الآية ٣]. وقال هناك : (مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) [الأعراف / ٥٤].
وأيضا فقد ذكرت قصة فرعون وقومه في الأعراف ، فاختصر ذكر عذابهم ، وبسط في هذه السورة أبلغ بسط (٣). فهي شارحة لما أجمل في سورة الأعراف منه.
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه / ١٩٧٨ م.
(٢). وذلك في قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) [الأعراف / ٥٤].
(٣). في عذاب فرعون قال تعالى في الأعراف : (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ) (١٣٦). وقال في يونس : (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ) الى (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) [الآيات ٩٠ ـ ٩١].