المبحث الخامس
لغة التنزيل في سورة «يونس» (١)
١ ـ وقال تعالى : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) [الآية ٢].
المراد بقوله تعالى : (قَدَمَ صِدْقٍ) السابقة والفضل والمنزلة الرفيعة ، وقد سمّيت السابقة «قدما» ، لأن السعي والسّبق بالقدم ، كما سمّيت النّعمة يدا ، لأنها تعطى باليد ، وباعا لأن صاحبها يبوع بها ، فقيل : لفلان قدم في الخير. وإضافته إلى (صِدْقٍ) دلالة على زيادة فضل ، وأنه من السّوابق العظيمة ، وقيل : مقام صدق.
٢ ـ وقال تعالى : (قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) [الآية ١٥].
أراد تعالى بقوله : (ما يَكُونُ لِي) ، ما يتسهّل لي ، وما يمكنني أن أبدّله.
أقول : وهذا من معاني الفعل «كان» ، وهي التامّة غير الناقصة ، التي تنصرف إلى معان عدّة.
وقوله تعالى : (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى) تشتمل على «إن» النافية ، وهذا يدعونا إلى أن نقف على هذه الأداة النافية قليلا.
قال النحاة في باب «ليس» وعملها : إنّ النافيات : «ما» ، و «لا» ، و «لات» و «إن» ، تعمل عمل «ليس». تعمل عمل «ليس». فأما «إن» النافية فمذهب البصريين والفرّاء أنّها لا تعمل شيئا ، ومذهب الكوفيين ، خلا الفرّاء ، أنها تعمل عمل «ليس» ، وقال به من البصريّين أبو العباس المبرّد ، وأبو
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «من بديع لغة التنزيل» ، لإبراهيم السّامرّائي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرخ.