وقد بدأت القصة بالرؤيا يقصّها يوسف على أبيه ، فينبئه أبوه بأن سيكون له شأن عظيم ، وينصحه بألّا يقصّها على إخوته ، كي لا يثير حسدهم فيغريهم الشيطان به ، فيكيدون له. ثم تسير القصة بعد ذلك ، وكأنما هي تأويل للرؤيا ، ولما توقّعه يعقوب من ورائها ، حتى إذا اكتمل تأويل الرؤيا في النهاية أنهى السياق القصة ، ولم يسر فيها كما سار كتاب (العهد القديم) ، بعد هذا الختام الفني الدقيق الوافي بالغرض كل الوفاء.
* * *
وما يسمى بالعقدة الفنية في القصة الحديثة واضح في قصة يوسف ، فهي تبدأ بالرؤيا ، ويظل تأويلها مجهولا ، ينكشف قليلا قليلا ، حتّى تجيء الخاتمة فتحل العقدة حلا فنيّا طبيعيّا ، يرضي الذوق الفنّي الخالص ، ويرضي الوجدان الدينيّ ، ويفي بدوره للقضية الكبرى التي سيقت القصة لها من الأساس.
والقصّة مقسّمة إلى حلقات ، كل حلقة تحتوي على جملة من المشاهد ، والسياق يترك فجوات بين المشهد والمشهد ، بحيث يترك بين كل مشهدين أو حلقتين فجوة يملأها الخيال ، ويكمل فيها ما حذف من حركات وأقوال ، ويستمتع بإقامة الصلات بين المشهد السابق والمشهد اللاحق ، فيمنح القصة بعض خصائص التمثيلية ، ويملأها بالحركة والحيوية.
وهذه الطريقة متّبعة في جميع القصص القرآني ـ على وجه التقريب ـ وهي شديدة الوضوح في القصص الكبيرة ، خصوصا قصّة يوسف الصديق.
* * *
يوسف بين إخوته وأبيه
أكرم الله عزوجل نبيّه يوسف (ع) بأصل كريم ، فهو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، وقد رزق يعقوب اثني عشر ابنا هم الأسباط. كان يوسف وبنيامين من أم تسمى راحيل ، وبقية الأسباط من أمهات أخرى.
وقد ماتت راحيل أم يوسف وتركته في الثامنة عشرة من عمره أشد ما يكون حاجة إلى قلب الأم وعطفها ، ولهذا آثر يعقوب يوسف وبنيامين بالحب والحنان ، فسرى داء الحسد بين بقية الإخوة ، وقال قائل منهم : ألا ترون أن