مِنْ
مَقامِكَ) [النمل / ٣٩] أي
من مجلسك. سمّاه مقاما ـ مع ذكره أنّ سليمان عليهالسلام كان جالسا فيه ـ لأنه قال : (قَبْلَ أَنْ تَقُومَ
مِنْ مَقامِكَ). وإنما سمّاه مقاما ، لأن القاعد إذا قام بعد قعوده ففيه
يكون قيامه. وهذا من غرائب القرآن الكريم.
وقوله سبحانه : (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ
مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ) (١٧) فهذه
استعارة. لأن المراد بذلك لو كان الموت الحقيقي ولم يكن سبحانه ليقول : (وَما هُوَ بِمَيِّتٍ) ، وإنما المعنى أن غواشي الكروب ، وحوازب الأمور تطرقه من
كل مطرق ، وتطلع عليه من كل مطلع. وقد يوصف المغموم بالكرب ، والمضغوط بالخطب بأنه
في غمرات الموت ، مبالغة في عظيم ما يغشاه ، وأليم ما يلقاه.
وقوله سبحانه : (أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ
الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) [الآية ١٨] في هذه
الآية استعارتان إحداهما قوله تعالى : (اشْتَدَّتْ بِهِ
الرِّيحُ) ........
وقوله سبحانه : (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ
تَهْوِي إِلَيْهِمْ) [الآية ٣٧]. وهذه
من محاسن الاستعارة. وحقيقة الهويّ النزول من علو إلى انخفاض كالهبوط. والمراد به
هاهنا المبالغة في صفة الأفئدة بالنّزوع إلى المقيمين بذلك المكان. ولو قال سبحانه
: تحنّ إليهم ، لم يكن فيه من الفائدة ما في قوله سبحانه : تهوي إليهم ، لأن
الحنين قد يوصف به من هو مقيم في مكانه ، والهوي يفيد انزعاج الهاوي من مستقرّه.
وقوله تعالى : (لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ
وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) (٤٣) وهذه
استعارة. والمراد بها صفة قلوبهم بالخلوّ من عزائم الصبر والجلد ، لعظيم الإشفاق
والوجل. ومن عادة العرب أن يسمّوا الجبان يراعة جوفاء ، أي ليس بين جوانحه قلب.
وعلى ذلك قول جرير
، يهجو قوما ويصفهم بالجبن :
__________________