كان اعلى منه مما يلى جانب الدماغ ، فإنه لا يبطل منه الحس ولا الحركة ، وهذا يدل على أن آلة الحس والحركة الإرادية هو العصب.
وأما المقدمة الثالثة وهى أنه لما كان الدماغ منشأ آلة الحس والحركة الإرادية ، وجب أن يكون هو المعدن لقوة الحس والحركة الإرادية ، والدليل عليه أنه لما كان قوة الحس والحركة إنما تصلان من الدماغ ثبت أن المنبع والمعدن لهذه القوة هو الدماغ.
الحجة الثانية وهى التى لحصناها لجالينوس أن نقول لا حاجة بنا إلى بيان أن منبت العصب هو الدماغ أو القلب.
بل نقول لو كانت قوة الحس والحركة الإرادية ، إنما تنفذ من القلب إلى الدماغ ، لكنا إذا شددنا على العصب خطا قويا وجب أن يبقى قوة الحس والحركة من الجانب الّذي يلى القلب ، وأن يبطل من الجانب الّذي يلى الدماغ ، لكن الأمر بالضد فعلمنا أن قوة الحس والحركة الإرادية تجرى من الدماغ إلى القلب ولا يجرى من القلب إلى الدماغ ، وهى الحجة التى لا يحتاج فيها إلى المقدمات التى ذكرناها فى الحجة الأولى وهى فى غاية الحسن.
الحجة الثالثة لجالينوس وهى قوله اتفق الحكماء والاطباء على أن الحامل لقوى الحس والحركة ، جسم لطيف نافذ فى الأعصاب وهو الروح ، فإذا كان الأمر كذلك ، فنقول : الدماغ ، لكونه مبدأ ليكون هذا الروح ، اولى من القلب ، وذلك لأنا نجد فى الدماغ مواضع خالية ، والقلب ليس كذلك فإن التجويف الايمن منه مملو دما (١) ،
__________________
(١) المخطوطة : مملوا