هو من زمرة الملائكة ويعدون انفسهم بالنسبة إليه اشقياء اراذل ـ واذا رأوا انسانا مستغرقا فى طلب الاكل والشرب والوقاع معروف الهمة الى أن يحصل اسباب هذه الاحوال معرضا عن العلم والعبادة ، والزهد ، وقضوا (١) عليه بالبهيمية والخلاعة والبطالة والخزى والنكال ولو لا انه تقرر فى عقولهم ان الاشتغال بتحصيل هذه اللذات الجسدانية نقص ودناءة وخساسة ، وان الترفع عن الالتفات إليها سعادة وكمال حال ـ وإلا لما كان الأمر على ما قلنا ، ولكان يجب ان يحكموا على المعرض عن تحصيل هذه اللذات بالخسار والنكال ، وعلى المنهمك فى تحصيلها بالسعادة والكمال. ولما لم يكن الأمر كذلك بل كان بالضد منه علمنا صحة ما ذكرناه.
الحجة الثامنة : كل شيء يكون فى نفسه كمالا وسعادة ، وجب ان لا يستحيى (٢) من اظهاره ، بل يجب ان يفتخر باظهاره ، وينجح بفعله.
ونحن نعلم بالضرورة ان احدا من العقلاء لا يفتخر بكثرة الاكل ولا الشرب ولا المناكح ولا بكونه مستغرق الوقت والزمان فى هذه الاعمال وأيضا فالناس لا يقدمون على الوقاع إلا فى الخلوة. فاما عند حضور الناس فلا احد من العقلاء لا يجد من نفسه تجويز الاقدام عليه ، وذلك يدل على انه فعل خسيس وعمل بحت يستحيى (٣) منه.
وأيضا ، فقد جرت عادة السفهاء ان لا يشتم بعضهم بعضا إلا
__________________
(١) المخطوطة : قضو
(٢) أيضا : لا يستحيا
(٣) أيضا : يستحيا