ولما كان الحق سبحانه وتعالى واجب الوجود لذاته كان محبا لذاته ومحبوبا لذاته.
ولما كان من لوازم ذاته فيضان الممكنات عنه ، وقد بينا أن لوازم المحبوب محبوبة ، كانت أفعاله محبوبة ، فلهذا السبب قال : (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) (٤. لما سمع بعض مشايخ الصوفية هذه الآية قال : إنه وإن أحبهم فهو بالحقيقة ما أحب إلا نفسه (٥.
واما الكمال فى الصفات فلما تاملنا لم نجد من هذا الجنس شيئا سوى العلم والقدرة ، فالعلم لما كان كمالا لذاته كان محبوبا لذاته.
إذا عرفت هذا فنقول : الأرواح البشرية ، لما عرفت انه لا سبيل لها إلى تحصيل الوجوب بالذات طمعت فى تحصيل الوجوب بالغير ، فلا جرم كل ما كان سببا لحياة الإنسان ولبقائه كان محبوبا له بالذات. وكل ما كان سببا لموته ولفنائه كان مكروها له بالذات.
وأما الكلام بالعلم والقدرة (الورقة ٢٦٢ و) ، فقد عرفت ، ان الارواح البشرية لها انها قابلة ، ولها انها فاعلة ، فإذا توجهت إلى العالم الإلهي كانت قابلة ، وإذا توجهت إلى العالم الهيولانى الجسمانى كانت فاعلة.
فأما كونها قابلة من العالم الإلهي ، فتارة تكون قابلة للوجود ، وتارة تكون قابلة للجلايا القدسية والصور الروحانية ، وهى العلوم.
وأما كونها فاعلة فى العالم الهيولانى ، فذاك لكونها متصرفة فى هذا العالم بالتركيب والتحليل على مقتضى الإرادة. ولما كان لا نهاية لمراتب العلم والقدرة فذلك لا نهاية لمراتب حب الإنسان بهذين الأمرين ،