أما الدلائل القرآنية فوجوه :
الأول قوله تعالى : (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ ، فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ) (٣ ، وفى الشعراء : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ) (٤ ، فدلت هاتان الآيتان بصريحهما على أن التنزيل والوحى كانا (١) على القلب ، وذلك يقتضي أن يكون المخاطب والمعاقب هو القلب.
الحجة الثانية قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (٥. فهذه الآية دالة بصريحها على أن محل الذكر والفهم هو القلب.
وأعلم ، ان هذه الآية مشتملة على لطيفة عجيبة ، إلا أن بيانها أنها يتم بتقديم سؤال ، فإنه يقال : أن الواو العاطفة أليق بقوله : (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ) من الواو القاسمة ، وذلك لأن حصول الذكرى لا بد فيه من مجموع أمرين : لا بدّ فيه من القلب ، ولا بد فيه من إلقاء السمع ، لأن القلب عبارة عن محل إدراك الحقائق ، وإلقاء السمع ، عبارة عن الجد والاجتهاد فى تحصيل تلك الإدراكات والمعارف.
ومعلوم أنه لا بد من الأمرين معا فكان ذكر الواو القاسمة هنا أليق من ذكر الواو العاطفة ، إلا أنا نقول بل الحق أن الواو القاسمة أولى من واو العاطفة.
وبيانه أن القوى العقلية قسمان : منها ما يكون فى غاية الكمال والإشراق ، ويكون مخالفا لسائر القوى العقلية بالكم والكيف ـ أما
__________________
(١) المخطوطة : كان ،