الرابع : وهو الّذي يكون له عقل وحكمة ويكون له طبيعة وشهوة وذلك هو الإنسان.
ولما ثبت فى المعارف الحكمية أن واجب الوجود عام الفيض على كل الممكنات ، اقتضى عموم [فيضه] إدخال هذا القسم فى الوجود فلهذا قال تعالى : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (٩. لئلا يبقى شيء من أقسام الممكنات [مجردا] (الورقة ٢٥٨ و) عن تاثير إيجاده ونعمة إبداعه.
ولما أوحى الله تعالى إلى الملائكة : «إنى جاعل فى الأرض خليفة ، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها» الآية (٩ ، ومعناه إذا جمعت بين الشهوة والغضب وبين العقل صار مشتعلا فى الهيبة قضاء الشهوة وإمضاء الغضب ـ وذلك يوجب وقوع الفساد من الشهوة ، وقوله (يَسْفِكُ الدِّماءَ) من استعمال الغضب فعند ذلك أوحى الله تعالى إليهم : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) (٩.
وهذا الكلام ، والله أعلم ، يحتمل وجوها من المعنى :
أحدها أن الملائكة عقول مجردة ، وأنوار صرفة ، فلا جرم لا يصدر منهم إلا التسبيح والتحميد والتقديس (١٠ ، وذلك هو القسم الأول من أقسام المخلوقات الموجودات (١١ ، أعنى الّذي يكون له عقل وحكمة بلا طبيعة ولا غضب ، والمقتضى لإدخال القسم الأول فى الوجود لا لإدخال النفع من تقديسهم وتسبيحهم ، بل المقتضى لذلك عموم الجود ، وهذا المعنى قائم فى حق القسم الرابع فى الوجود.
وثانيها أن هذا القسم وإن اشتمل على الفساد بسبب الشهوة ، وعلى سفك الدماء بسبب الغضب ، لكنه يكون مشتملا أيضا على التسبيح