الثالث أنا شاهدنا أنه ربما كان بدن الإنسان ضعيفا نحيفا ، فإذا لاح له نور من أنوار عالم القدس ، وتجلى له سر من أسرار عالم الغيب حصل لذلك الإنسان قوة عظيمة واستيلاء شديد ، ولم يعبأ بحضور أكابر السلاطين ، ولم يتأثر من حضور العساكر الكثيرة والأهوال الشديدة ولم يثبت لها وزنا ولا قدرا.
ولو لا أن النفس شيء سوى البدن وان النفس إنما تحيى وتقوى بغير ما به يحيى البدن. وإلا لما كان الأمر كذلك بل من تأمل حق التأمل عرف كل ما هو سبب لحياة البدن ولقوته فهو سبب لموت النفس وضعفها ، وكل ما هو سبب لحياة النفس وقوتها فهو سبب لموت البدن وضعفه.
الرابع أن أصحاب الرياضات والمجاهدات كلما أمعنوا فى قهر القوى البدنية وبتجويع الحس قويت قواهم الروحانية واشرقت اسرارهم بالمعارف الإلهية.
وكلما امعن الإنسان فى الأكل والشرب وقضاء الشهوات الجسدانية صار كالبهيمة (٤ وبقى محروما عن آثار النطق والعقل والفهم والمعرفة.
ولو لا أن النفس شيء غير البدن وان سعادتها مغايرة بسعادة البدن ، وقوتها غير قوة البدن ، وإلا لما كان الأمر كذلك.
الخامس أن الإنسان حال النوم يصير ضعيف البدن قوى النفس حتى أنه عند النوم ليطلع على ما يعجز عن الاطلاع عليه حال اليقظة ، ولو كانت النفس شيئا (١) غير الجسد لامتنع أن يكون حال النوم
__________________
(١) المخطوطة : شيء