فنفى الله عزوجل عنهم استطاعة شيء من السبل غير سبيل الضلال وحده ، وهذا كفاية لمن عقل.
وقال الله تعالى : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) [سورة يونس : ١٠٠].
فنص الله تعالى على أن من لم يأذن له في الإيمان لم يؤمن ، وأن من أذن له في الإيمان آمن ، وهذا الإذن هو التوفيق الذي ذكرنا ، فيكون به الإيمان ولا بدّ ، وعدم الإذن هو الخذلان الذي ذكرنا نعوذ بالله تعالى منه.
وقال تعالى حاكيا عن يوسف عليهالسلام ومصدقا : (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [سورة يوسف : ٣٣ و ٣٤].
فنص على أن رسوله صلىاللهعليهوسلم ، إن لم يعنه بصرف الكيد عنه صبا ، وجهل ، وأنه تعالى صرف عنه الكيد فسلم ، وهذا نص جليّ على أنه إذا وفقه اعتصم واهتدى.
وقال تعالى حاكيا عن إبراهيم خليله ورسوله صلىاللهعليهوسلم ومصدقا له : (لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) [سورة الأنعام : ٧٧].
فهذا نص جليّ على أنّ من أعطاه الله تعالى قوة الإيمان آمن واهتدى ، ومن منعه تلك القوة كان من الضالّين ، وهذا نص قولنا والحمد لله رب العالمين.
وقال تعالى : (وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) [سورة النحل : ١٢٧].
فنص تعالى على أنه أمره بالصبر ثم أخبره أنه لا صبر له إلا بعون الله عزوجل ، وإذا أعانه بالصّبر صبر.
وقال تعالى : (إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُ) [سورة النحل : ٣٧].
وهذا نص جلي على أن من أضلّه الله تعالى بالخذلان فلا يكون مهتديا.
وقال تعالى : (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) [سورة الإسراء : ٤٥ و ٤٦].
فهذا نص جليّ لا إشكال فيه على أن الله تعالى خذلهم ومنعهم أن يفقهوه.
فإن قال قائل : إنما قال تعالى إنه يفعل ذلك بالذين لا يؤمنون ، وكذلك قال تعالى (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) [سورة البقرة : ٢٦] و (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ) [سورة الأعراف : ١٠١].