السلام الشيء وهو لا يعلمه ، وقد كان أخذ عليه العهد أن لا يسأله عن شيء حتى يحدث له منه ذكرا فهذا أيضا لا حجة لهم فيه ، لأن ذلك كان على سبيل النسيان وقد بين موسى عليهالسلام ذلك بقوله : (لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً) [سورة الكهف : ٧٣] فرغب إليه ألّا يؤاخذه بنسيانه ، ومؤاخذة الخضر له بالنسيان دليل على صحة ما قلنا من أنهم عليهمالسلام مؤاخذون بالنسيان وبما قصدوا به الله عزوجل فلم يصادفوا بذلك مراد الله عزوجل. وتكلم موسى عليهالسلام على ظاهر الأمر ، وقدر أن الغلام زكي إذ لم يعلم له ذنبا ، وكان عند الخضر العلم الجلي بكفر ذلك الغلام واستحقاقه القتل ، فقصد موسى عليهالسلام بكلامه في ذلك وجه الله تعالى والرحمة ، وإنكار ما لم يعلم وجهه.
وذكروا قول موسى عليهالسلام : (فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) [سورة الشعراء : ٢٠] فقول صحيح وهو حاله قبل النّبوة ، فإنه كان ضالّا عما اهتدى له بعد النبوة ، ضلال الغيب عن العلم ، كما تقول : أضللت بعيري ، لا ضلال القصد إلى الإثم.
وهكذا قول الله تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) [سورة الضحى : ١٧].
أي ضالّا عن المعرفة وبالله تعالى التوفيق.
وذكروا قول الله عزوجل عن بني إسرائيل : (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ) [سورة النساء : ١٥٣].
قالوا : وموسى قد سأل ربه مثل ذلك فقال : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي) [سورة الأعراف : ١٤٣].
قالوا : فقد سأل موسى عليهالسلام أمرا عوقب سائلوه قبله.
قال أبو محمد : وهذا لا حجة لهم فيه ، لأنه خارج على وجهين :
أحدهما أن موسى عليهالسلام سأل ذلك قبل سؤال بني إسرائيل رؤية الله تعالى ، وقبل أن يعلم أنّ سؤال ذلك لا يجوز فهذا لا مكروه فيه ، لأنه سأل فضيلة عظيمة أراد بها علو المنزلة عند ربه تعالى.
والثاني : أن بني إسرائيل سألوا ذلك متعنتين وشكاكا في الله عزوجل ، وموسى سأل ذلك على الوجه الحسن الذي ذكرنا آنفا.
الكلام في يونس عليهالسلام
قال أبو محمد : وذكروا أمر يونس عليهالسلام وقول الله تعالى عنه : (وَذَا النُّونِ