الكلام في الهدى والتوفيق
قال أبو محمد : وهو متصل بالكلام في الاستطاعة.
احتجت المعتزلة بقول الله عزوجل : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) [سورة فصلت : ١٧].
وبقوله : (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً) [سورة الإنسان ٢ ـ ٤].
قال أبو محمد : وهذا حق وقد قال تعالى : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) [سورة النحل : ٣٦].
فأخبر تعالى أن الذي هدى بعض الناس لا كلهم ، وقال تعالى (إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُ) [سورة النحل : ٣٧].
وهي قراءة مشهورة عن عاصم بفتح الياء من «يهدي» وكسر الدال. فأخبر تعالى أن في الناس من لم يهده.
وقال تعالى : (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) [سورة البقرة : ٢٦].
فأخبر تعالى أن الذي هدى غير الذي أضل فلم يهد. وقال تعالى : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ) [سورة الأعراف : ١٨٦]. فأخبر تعالى أن الذين أضل لم يهدهم وقال تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) [سورة الأنعام : ١٢٥].
فأخبر تعالى أن الذين هدى غير الذين أضلّ ، ومثل هذا كثير وكل هذا كلام الله عزوجل وكله حق ، ولا يتعارض ، ولا يبطل بعضه بعضا.
وقال تعالى : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [سورة النساء : ٨٢].