قيل له وبالله تعالى التوفيق : لو صح لك هذا التأويل لكان حجة عليك لأنه تعالى قد منعهم التوفيق وسلّط عليهم الخذلان وأضلهم وطبع على قلوبهم ، فاجعله كيف شئت فكيف وليس ذلك على ما تأولت ، ولكن الآيات على ظواهرها وعلى ما يقتضيه لفظها دون تكلف ، وهو أن الله تعالى لما أضلهم صاروا ضالين فاسقين حين أضلهم لا قبل أن يضلهم ، وكذلك إنما صاروا لا يؤمنون حين جعل بينهم وبين نبيهم صلىاللهعليهوسلم حجابا مستورا ، وحين جعل على قلوبهم الأكنة ، وفي آذانهم الوقر ، لا قبل ذلك ، وإنما صاروا كافرين حين طبع على قلوبهم لا قبل ذلك ، وقال تعالى : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) [سورة الإسراء : ٧٤].
فنص تعالى على أنه لو لا أن ثبت نبيه صلىاللهعليهوسلم بالتوفيق لركن إليهم ، فإنما ثبت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، حين ثبته ربه تعالى لا قبل ذلك ، ولو لم يعطه التثبيت وخذله لركن إليهم ، وضلّ واستحق العذاب على ذلك ، ضعف الحياة وضعف الممات ، فتبّا لكل مخذول يظن في نفسه أنه مستغن عن ما افتقر إليه محمد صلىاللهعليهوسلم ، من توفيق الله تعالى وتثبته وأنه قد استوفى من الهدى ما لا مزيد فيه ، وأنه ليس عند ربه أفضل مما أعطاه بعد ولا أكثر ، وقد أمرنا تعالى أن نقول : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) [الفاتحة :٥ ـ ٧].
فنص على أمرنا بطلب العون منه ، وهذا نصّ قولنا والحمد لله رب العالمين ، فلو لم يكن هاهنا عون خاص ، من آتاه الله تعالى اهتدى ومن حرمه إياه وخذله ضل ، لما كان لهذا الدعاء معنى ، لأن الناس كانوا كلهم يكونون معانين منعما عليهم ، مهديين غير معذبين ، وهذا خلاف النص المذكور ، وقال تعالى : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) [سورة البقرة : ٧].
فنص على أنه ختم على قلوب الكافرين ، وأن على سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة حائلة بينهم وبين قبول الحق ، فمن هو الجاعل هذه الغشاوة على سمعهم وعلى أبصارهم إلا الذي ختم على قلوبهم جلّ وعلا؟ وهذا هو الخذلان الذي ذكرنا ، نعوذ بالله منه ، وهذا نص جلي أنهم لا يستطيعون الإيمان ما دام ذلك الختم على قلوبهم ، والغشاوة على سمعهم وأبصارهم ، فلو أزالها تعالى لآمنوا إلا أن يعجزوا ربهم تعالى عن إزالة ذلك فهذا خروج عن الإسلام ، وقال تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلاً) [سورة النساء : ٨٣].