تعالى : (إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [سورة آل عمران : ٤٧] ومعنى ذلك حكم بكونه فكوّنه.
ومعنى القدر في اللغة العربية الترتيب والحد الذي ينتهي إليه الشيء ، تقول : قدرت البناء تقديرا : رتبته وحددته ، وقال تعالى : (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) [سورة فصلت : ١٠] بمعنى رتب أقواتها وحدّدها ، وقال تعالى : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) [سورة القمر : ٤٩]. يريد تعالى : برتبة وحدّ ، فمعنى قضى وقدر حكم ورتب ، ومعنى القضاء والقدر : حكم الله تعالى في شيء بحمده أو ذمه ، أو تكوينه أو ترتيبه على صفة كذا إلى وقت كذا. وبالله تعالى التوفيق.
الكلام في البدل
قال أبو محمد : قال بعض القائلين بالاستطاعة مع الفعل إذ سئل هل يستطيع الكافر ما أمر به من الإيمان أم لا يستطيع؟ فأجاب : إن الكافر مستطيع للإيمان على البدل ، بمعنى أنه لا يتمادى على الكفر ، لكن يقطعه ويبدل منه الإيمان.
قال أبو محمد : وهذا الذي يجيب به هو الجواب الذي بينا صحته بحول الله تعالى وقوته في كلامنا في الاستطاعة ، وهو أن نقول : هو مستطيع في ظاهر الأمر بسلامة جوارحه ، وارتفاع موانعه ، غير مستطيع للجمع بين الإيمان والكفر ما دام كافرا أو ما دام لا يؤتيه الله تعالى العون ، فإذا أتاه وتمت استطاعته فعل ولا بد ، فإن قيل : هو مكلف مأمور؟ قلنا : نعم ، فإن قيل أهو عاجز عن ما هو مأمور به ومكلف أن يفعله ..؟ قلنا وبالله تعالى التوفيق : هو غير عاجز بظاهر نيته وسلامة جوارحه ، وارتفاع الموانع ، وهو عاجز عن الجمع بين الفعل وضده ، ما لم يؤته الله عزوجل العون فيتم ارتفاع العجز عنه ، ويوجد الفعل ولا بد ، ونقول إن العجز في اللغة إنما يقع على الممنوع بآفة من الجوارح أو بمانع ظاهر إلى الحواس ، والمأمور بالفعل ليس في ظاهر أمره عاجزا إذ لا آفة في جوارحه ، ولا مانع له ظاهرا ، وهو في الحقيقة عاجز عن الجمع بين الفعل وضده ، وبين الفعل وتركه ، وعن فعل ما لم يؤته الله عزوجل عونا عليه ، وعن تكذيب علم الله عزوجل الذي لم يزل بأنه لا يفعل إلا ما سبق فيه علمه ، هذا حقيقة الجواب في هذا الباب والحمد لله رب العالمين.
فإن قيل : فهو مختار لما يفعل؟ قلنا : نعم اختيارا صحيحا لا مجازا ، لأنه مريد لكونه منه ، محبّ له ، مؤثر له على تركه ، وهذا معنى لفظه الاختيار على الحقيقة ، وليس مضطرا ولا مجبرا ولا مكرها في حالة واحدة ، كإنسان في رجله أكلة لا دواء له ،