لأن كل ضال فله أولياء على ضلاله يسمونه مهتديا وراشدا ، وحاشا لله من هذا الكذب ، فبطل تأويلهم الفاسد ، وصح قولنا والحمد لله رب العالمين.
قال أبو محمد :
وقال تعالى مخبرا عن الخضر عليهالسلام الذي آتاه الله عزوجل العلم والحكم والنبوة ، حاكيا عن موسى صلىاللهعليهوسلم وفتاه : (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) [سورة الكهف : ٦٥].
وقال تعالى مخبرا عنه ومصدقا له : (وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) [سورة الكهف : ٨٢].
فصحّ أن كل ما قال الخضر عليهالسلام فمن وحي الله تعالى ، ثم أخبر عزوجل بأن الخضر قال لموسى صلىاللهعليهوسلم : (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) [سورة الكهف : ٦٧ و ٧٢].
فلم ينكر الله عزوجل على كلامه ذلك ولا أنكره موسى عليهالسلام ولكن أجابه بأن قال : (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً) [سورة الكهف : ٦٩].
فلم يقل له موسى عليهالسلام : إني مستطيع للصبر ، بل صدق قوله في ذلك إذ أقره ولم ينكره ، ورجا أن يحدث الله تعالى له استطاعة على الصبر فيصبر ، فلم ينكر ذلك موسى عليهالسلام ، ولم يوجب موسى عليهالسلام أيضا لنفسه إلا أن يشاء الله ثم كرره الخضر عليهالسلام بعد ذلك مرات أنه غير مستطيع للصبر إذ لم يصبر ، فهذه شهادة ثلاثة أنبياء محمد وموسى والخضر صلوات الله عليهم ، وأكبر من شهادتهم شهادة الله تعالى بتصديقهم في ذلك إذ قصه تعالى غير منكر له ، بل مصدقا لهم وهذا لا يرده إلا مخذول.
وقال عزوجل : (وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) [سورة الكهف : ١٠٠ و ١٠١].
فنص تعالى نصا جليا على أنهم ما كانوا يستطيعون السمع الذي أمروا به ، وأنهم مع ذلك كانت أعينهم في غطاء عن ذكر الله عزوجل ، ومع ذلك استحقوا عليه جهنم ، وكانوا في ظاهر الأمر مستطيعين بصحة جوارحهم ، وهذا نص قولنا بلا تكلف والحمد لله رب العالمين على هداه لنا وتوفيقه إيانا ، لا إله إلا هو إذ يقول تعالى : وقال الظالمون : (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) [سورة الفرقان : ٨].