الكلام في هل شاء الله عزوجل كون الكفر والفسق
وأراده تعالى من الكافر والفاسق أم لم يشأ ذلك
ولا أراد كونه
قال أبو محمد : قالت المعتزلة : إن الله تعالى لم يشأ أن يكفر الكافر ، ولا أن يفسق الفاسق ، ولا أن يشتم تعالى ، ولا أن يقتل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، واحتجوا بقول الله عزوجل : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) [سورة الزمر آية رقم ٧] وبقوله تعالى : (اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) [سورة محمد آية رقم ٢٨]. وقالوا : من فعل ما أراد الله فهو مأجور محسن ، فإن كان الله تعالى أراد أن يكفر الكافر وأن يفسق الفاسق فقد فعلا جميعا ما أراد الله تعالى منهما ، فهما محسنان مأجوران.
وذهب أهل السنة : أن لفظة «شاء» و «أراد» لفظة مشتركة تقع على معنيين : أحدهما الرضى والاستحسان ، فهذا منهيّ عن الله تعالى أنه أراده أو شاءه في كل ما نهى عنه. والثاني : أن يقال : أراد وشاء بمعنى أراد كونه وشاء وجوده ، فهذا هو الذي نخبر به عن الله عزوجل في كل موجود في العالم من خير أو شرّ.
فسلكت المعتزلة سبيل السفسطة في التعلق بالألفاظ المشتركة الواقعة على معنيين فصاعدا والتمويه الذي يضمحل إذا فتش ويفتضح إذا بحث عنه ، وهذه سبيل الجهّال الذين لا حيلة بأيديهم إلا المخرقة. (١)
وقال أهل السنة : ليس من فعل ما أراد الله تعالى وما شاء الله ، كان محسنا ، إنما المحسن من فعل بما أمره الله تعالى به ، ورضيه منه.
قال أبو محمد : ونسألهم فنقول لهم : أخبرونا ، كان الله تعالى قادرا على منع الكافر من الكفر ، والفاسق من الفسق ، وعلى منع من شتمه من النطق به ، ومن إمراره
__________________
(١) المخرقة : الجهل والحمق.