الكلام فيمن يكفر ولا يكفر
قال أبو محمد : اختلف الناس في هذا الباب فذهبت طائفة إلى أن من خالفهم في شيء من مسائل الاعتقاد أو في شيء من مسائل الفتيا فهو كافر ، وذهبت طائفة إلى أنه كافر في بعض ذلك فاسق غير كافر في بعضه على حسب ما أدتهم إليه عقولهم وظنونهم ، وذهبت طائفة إلى أن من خالفهم في مسائل الاعتقاد فهو كافر وأن من خالفهم في مسائل الأحكام والعبادات فليس كافرا ولا فاسقا ولكنه مجتهد معذور إن أخطأ مأجور بنيته ، وقالت طائفة بمثل هذا فيمن خالفهم في مسائل العبادات وقالوا فيمن خالفهم في مسائل الاعتقادات إن كان الخلاف في صفات الله عزوجل فهو كافر ، وإن كان فيما دون ذلك فهو فاسق ، وذهبت طائفة إلى أنه لا يكفر ولا يفسق مسلم بقول قاله في اعتقاد أو فتيا وأن كل من اجتهد في شيء من ذلك فدان بما رأى أنه الحق فإنه مأجور على كل حال إن أصاب الحقّ فأجران وإن أخطأ فأجر واحد وهذا قول ابن أبي ليلى وأبي حنيفة والشافعي وسفيان الثوري وداود بن علي رضي الله عن جميعهم وهو قول كل من عرفنا له قولا في هذه المسألة من الصحابة رضي الله عنهم ما نعلم منهم في ذلك خلافا أصلا إلّا ما ذكرنا من اختلافهم في تكفير من ترك صلاة متعمدا حتى خرج وقتها أو ترك أداء الزكاة أو ترك الحج أو ترك صيام رمضان أو شرب الخمر. واحتج من كفّر بالخلاف في الاعتقادات بأشياء نوردها إن شاء الله عزوجل.
قال أبو محمد : ذكروا حديثا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أن القدرية والمرجئة مجوس هذه الأمة (١). وحديثا آخر «تفترق هذه الأمة على بضع وسبعين فرقة كلها في النار حاشا واحدة فهي في الجنة» (٢).
__________________
(١) رواه أبو داود في السنّة باب ١٦ ، وابن ماجة في المقدمة باب ١٠ ، وأحمد في المسند (٢ / ٨٦ ، ٥ / ٤٠٧).
(٢) رواه أبو داود في السنّة باب ١ ، والترمذي في الإيمان باب ١٨ ، وابن ماجة في الفتن باب ١٧ ، وأحمد في المسند (٢ / ٣٣٢ ، ٣ / ١٤٥).