فلما كان من لا يطعم المسكين من الكفار يعذب على ذلك عذابا زائدا لأنه لم يطعم المسكين فالذي أطعم المسكين مع كفره لا يعذب ذلك العذاب الزائد ، فهو أقل عندنا عذابا لأنه لم يعمل من الشر ما عمل من هو أشد عذابا منه لا لأنه عمل خيرا.
قال أبو محمد : وكل كافر عمل خيرا وشرا ثم أسلم فإن كان ما عمل من خير يكون له مجازى به في الجنة ، وأما ما عمل من شر فإن تاب عنه مع توبته من الكفر سقط عنه ، وإن تمادى عليه أخذ بما عمل في كفره وبما عمل في إسلامه.
برهان ذلك : حديث حكيم بن حزام عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : يا رسول الله أشياء كنت أتحنّث بها في الجاهليّة من عتق وصدقة وصلة رحم؟ فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أسلمت على ما سلف لك من خير» (١) فأخبر أنه خير وأنه له إذ أسلم.
وقالت له عائشة رضي الله عنها : يا رسول الله أرأيت ابن جدعان فإنه يصل الرّحم ، ويقري الضّيف ، أينفعه ذلك؟ قال : «لا. لأنّه لم يقل يوما ربّ اغفر لي خطيئتي يوم الدّين» (٢). فأخبر عليهالسلام أنه لم ينتفع بذلك لأنه لم يسلم.
فاتفقت الأخبار كلها على أنه لو أسلم لنفعه ذلك.
وأما مؤاخذته بما عمل فحديث ابن مسعود رضي الله عنه بنص ما قلنا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كما قلناه.
فإن اعترض معترض بقوله الله تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [سورة الزمر آية رقم ٦٥].
قلنا : إنما هذا لمن مات مشركا فقط.
برهان ذلك أن الله تعالى قال : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) وبيقين ندري أن من أسلم فليس من الخاسرين فقد بين ذلك بقوله : (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) [سورة البقرة آية رقم ٢١٧] وإن اعترضوا فيما قلنا من المؤاخذة بما عمل في الكفر لقوله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) [سورة الأنفال آية رقم ٣٨].
__________________
(١) رواه البخاري في الزكاة باب ٢٤ ، والأدب باب ١٦ ، والبيوع باب ١٠٠ ، والعتق باب ١٢. ومسلم في الإيمان حديث ١٩٤ و ١٩٥ و ١٩٦. وأحمد في المسند (٣ / ٤٠٢).
(٢) رواه البخاري في الدعوات باب ٦١. ومسلم في الإيمان حديث ٣٦٥ ، والذكر حديث ٧٠. وأحمد في المسند (٤ / ٤١٧).