فإن قالوا : خصوا وعيد الشرك بالموازنة. قلنا : لا يجوز ، لأن الله تعالى منع من ذلك ، قال تعالى : (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) [سورة البقرة آية رقم ٢١٧].
فمن حبط عمله فلا خير له.
قال أبو محمد : وأهل النار متفاضلون في عذاب النار فأقلهم عذابا أبو طالب فإنه توضع جمرتان من النار في أخمصيه (١) إلى أن يبلغ الأمر إلى قوله تعالى : (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) [سورة غافر آية رقم ٤٦].
وقال تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) [سورة النساء آية رقم ١٤٥] ولا يكون الأشد إلا إلى جنب الأدون.
وقال تعالى : (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ) [سورة السجدة آية رقم ٢١].
قال أبو محمد : والكفار معذبون على المعاصي التي عملوا من غير الكفر. برهان ذلك قول الله سبحانه وتعالى : (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ) [سورة المدثر آية رقم ٤٠ إلى ٤٧].
فنص تعالى على أن الكفار يعذبون على ترك الصلاة وعلى ترك الطعام للمسكين.
قال أبو محمد : وأما من عمل منهم العتق ، والصدقة ، أو نحو ذلك من أعمال البر فحابط كل ذلك ، لأن الله عزوجل قال : إنه من مات كافرا حبط عمله. لكن لا يعذب الله أحدا إلا على ما عمل ، لا على ما لم يعمل.
قال الله تعالى : (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [سورة النمل آية رقم ٩٠].
__________________
(١) روى البخاري في الرقاق باب ٥١ (حديث ٦٥٦١ و ٦٥٦٢) عن النعمان بن بشير قال : سمعت النبي صلىاللهعليهوسلم يقول : «إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة لرجل توضع في أخمص قدميه جمرة يغلي منها دماغه» ورواه مسلم في كتاب الإيمان باب ٩١ (حديث ٣٦٣). وروى مسلم في الإيمان (حديث ٣٦٢) عن ابن عباس أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «أهون أهل النار عذابا أبو طالب ، وهو منتعل بنعلين يغلي منهما دماغه» ، ورواه أيضا عن النعمان بن بشير (برقم ٣٦٤) ولفظه : «إنّ أهون أهل النار عذابا من له نعلان وشراكان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل ، ما يرى أن أحدا أشدّ منه عذابا وإنه لأهونهم عذابا».