لم تكتب له حسنة ولا سيئة تفضلا من الله عزوجل ، ولو عملها كتبت له سيئة واحدة ، ولو هم بحسنة ولم يعملها ، كتبت له حسنة واحدة ، فإن عملها كتبت له عشر أمثالها. وهذا كله نص كلام رسول الله صلىاللهعليهوسلم (١). وقد ناظرت بعض المنكرين لهذا فذهب إلى أن الهم بالسيئة إصرار عليها ، فقلت له : هذا خطأ لأن الإصرار لا يكون إلا على ما قد فعله المرء بعد تماد على نية أن يفعله ، وأما من همّ بما لم يفعل بعد فليس إصرارا. قال الله تعالى : (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [سورة آل عمران آية رقم ١٣٥].
ثم نسألهم عمن عمل السيئات ، حاشا الكبائر عددا عظيما ولم يأت كبيرة قط ومات على ذلك ، أيجوّزون أن يعذبه الله تعالى على ما عمل من السيئات أم تقولون إنها مغفورة له ولا بدّ ...؟
فإن قالوا : إنها مغفورة له ولا بد صدقوا ، وكانوا قد خصوا قوله تعالى : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [سورة النساء آية رقم ٤٨].
وتركوا حمل هذه الآية على عمومها فلا ينكروا ذلك على من خصها أيضا بنص آخر.
وإن قالوا : بل جائز أن يعذبهم الله تعالى على ذلك ، أكذبهم الله تعالى بقوله : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) [سورة النساء آية رقم ٣١].
ونعوذ بالله من تكذيب الله عزوجل.
ثم نسألهم عمن عمل من الكبائر ومات عليها ، وعمل حسنات رجحت بكبائره عند الموازنة ، أيجوز أن يعذبه الله تعالى بما عمل من تلك الكبائر ، أم هي مغفورة له ساقطة عنه ...؟
فإن قالوا : بل هي مغفورة له وساقطة عنه صدقوا ، وكانوا قد خصوا عموم قوله تعالى : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) وجعلوا هؤلاء ممن شاء ، ولا بد أن يغفر لهم ، وإن قالوا : بل جائز أن يعذبهم ، أكذبهم الله تعالى بقوله : (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) [سورة القارعة ٦ ، ٧]. وبقوله : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) [سورة هود آية رقم ١١٤].
__________________
(١) رواه من طرق : البخاري في الرقاق باب ٣١. ومسلم في الإيمان حديث ٢٠٣ و ٢٠٤ و ٢٠٦ و ٢٠٧ و ٢٥٩. والترمذي في تفسير سورة ٦ باب ١٠. والدارمي في الرقاق باب ٧٠. وأحمد في المسند (١ / ٢٢٧ ، ٢٧٩ ، ٣١٠ ، ٣٦١ ، ٢ / ٢٣٤ ، ٤٤١ ، ٤٩٨ ، ٣ / ١٤٩).