لا؟ وأخبرونا عن قول الله عزوجل حاكيا عن عيسى عليهالسلام ، أنه يقول له تعالى يوم القيامة : (يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) إلى قوله : (وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) إلى قوله (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) [سورة المائدة الآيات : ١١٦ ـ ١١٨] أيدخل النصارى الذين اتخذوا عيسى وأمه إلهين من دون الله تعالى في جواز المغفرة لهم وقد صدقه الله تعالى في هذا القول من التخيير بين المغفرة لهم أو يعذبهم؟ وأخبرونا عن قوله تعالى : (قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) [سورة الأعراف آية رقم ١٥٦].
فمن قولهم : إن المغفرة لا تكون البتة لمن كفر ومات كافرا ، وأنهم خارجون من هذا العموم ومن هذه الجملة بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [سورة النساء آية رقم ٤٨].
قيل لهم : ولم خصصتم هذه الجملة بهذا النص ولم تخصصوا قوله تعالى :
(وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) بقوله : (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) [سورة القارعة آية رقم ٦ ، ٧].
وبقوله تعالى : (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [سورة النمل آية رقم ٩٠].
وبقوله تعالى : (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) [سورة غافر آية رقم ١٧].
وهذا خبر لا نسخ فيه. فإن قالوا : نعم إلا أن يشاء أن يغفر لهم. قيل لهم : قد أخبر تعالى أنه لا يشاء ذلك بإخباره تعالى أنه في ذلك اليوم يجزي كل نفس ما كسبت ولا فرق.
قال أبو محمد : وقد أخبر النبي صلىاللهعليهوسلم : «أنّ الرّجل يأتي يوم القيامة وله صدقة ، وصيام ، وصلاة ، فيوجد قد سفك دم هذا ، وشتم هذا ، فتؤخذ حسناته كلّها ، فيقتصّ لهم منها ، فإذا لم يبق له حسنة قذف من سيّئاتهم عليه ورمي في النّار» (١).
__________________
(١) تمام الحديث عن أبي هريرة : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «أتدرون ما المفلس؟» قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال : «إن المفلس من أمّتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا ، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت