وكلام رسول الله صلىاللهعليهوسلم صح أن ممر الناس من محشرهم إلى الجنة إنما هو بخوضهم وسط جهنم ، وينجي الله تعالى أولياءه من حرها وهم الذين لا كبائر لهم أو لهم كبائر تابوا عنها ، ورجحت حسناتهم بكبائرهم ، أو تساوت كبائرهم وسيئاتهم بحسناتهم ، وأنه تعالى يمحص من رجحت كبائره وسيئاته بحسناته ، ثم يخرجهم عنها إلى الجنة بإيمانهم ، ويمحق الكفار بتخليدهم في النار ، كما قال تعالى : (وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ) [سورة آل عمران آية رقم ١٤١] وأيضا فإن كل آية وعيد ، وخبر وعيد ، تعلق به من قال بتخليد المذنبين فإن المحتجين بتلك النصوص هم أول مخالف لها ، لأنهم يقولون إن من أتى بتلك الكبائر ثم تاب سقط عنه الوعيد ، فقد تركوا ظاهر تلك النصوص. فإن قالوا : إنما قلنا ذلك بنصوص أخر أوجبت ذلك. قيل لهم : نعم. وكذلك فعلنا نحن بنصوص أخر ، وهي آيات الموازنة ، وأنه تعالى لا يضيع عمل عامل من خير أو شر ولا فرق. ويقال لمن أسقط آيات الوعيد جملة ، وقال إنها كلها إنما جاءت في الكفار : إن هذا باطل لأن نص القرآن بالوعيد على الفار من الزحف ، ليس إلا على المؤمن بيقين ، وبنص الآية في قوله تعالى : (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ) [سورة الأنفال آية رقم ١٦].
ولا يمكن أن يكون هذا في كافر أصلا ، فسقط قول من قال بالتخليد ، وقول من قال بإسقاط الوعيد ، ولم يبق إلا قول من أجمل جواز المغفرة ، وجواز العقاب.
قال أبو محمد : فوجدنا هذا القول مجملا قد فسرته آيات الموازنة ، وقوله تعالى الذي تعلقوا به (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [سورة النساء آية رقم ٤٨ و ١١٦] حق على ظاهرها ، وعلى عمومها ، وقد فسرتها بإقرارهم آيات أخر ، لأنه لا يختلف في أن الله تعالى يغفر أن يشرك به لمن تاب من الشرك بلا شك.
وكذلك قوله تعالى (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ).
فهذا كله حق إلا أنه قد بين من هم الذين شاء أن يغفر لهم ، فإن صرتم إلى بيان الله تعالى فهو الحق ، وإن أبيتم إلا الثبات على الإجمال فأخبرونا عن قول الله تعالى : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) [سورة الزمر آية رقم ٥٣].
وقوله تعالى : (بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) [سورة المائدة آية رقم ١٨].
أترون أن هذا العموم تقولون به فتجيزون أن يغفر الكفر لأنه ذنب من الذنوب أم