قال أبو محمد : وفي هذا أيضا محال آخر ، وهو أنه إذا حدثت له قدرة بعد أن لم تكن فمن أحدثها له ..؟ أهو أحدثها لنفسه ..؟ أم غيره أحدثها له ..؟ أم حدثت بلا محدث ..؟
فإن قالوا : هو أحدثها لنفسه سئلوا : بلا قدرة أحدث لنفسه القدرة ..؟ أم بقدرة أخرى؟
فإن قالوا : أحدث لنفسه قدرة بلا قدرة أتوا بالمحال.
وإن قالوا : بل بقدرة. أثبتوا قدرة لم تزل ، بخلاف قولهم.
وإن قالوا : غيره أحدثها له ، أو حدثت بلا محدث ـ لحقوا بقول الدّهرية ، وكفروا. وفي قولهم هذا من خلاف المعقول ، وخلاف القرآن ، وخلاف البرهان ما تضيق به نفوس المؤمنين. والحمد لله على معافاته لنا مما ابتلاهم به.
وإن قالوا : لو فعل تعالى كل ذلك كيف كان يسمّى ..؟
قلنا : هذا سؤال سخيف عمّا لا يكون أبدا ، وهو كمن سأل : لو طار الإنسان كم ريشة كانت تكون له ..؟ وما أشبه هذا من الحماقة المأمون كونها. وتسمية الله تعالى نفسه المقدسة إليه لا إلينا. وبالله تعالى التوفيق.
وقال أبو هذيل العلّاف : إنّ لما يقدر الله تعالى عليه كلّا وآخرا ـ كما له أوّل ؛ فلو خرج آخره إلى الفعل ـ ولا يخرج ـ لم يكن الله تعالى قادرا على شيء أصلا ، ولا على فعل شيء بوجه من الوجوه.
وقال عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي : (١) ما نعلم أحدا يعتقد هذا اليوم إلا يحيى بن بشر الأرجائيّ. (٢) وادّعى أنّ أبا الهذيل تاب عن هذا القول.
__________________
(١) هو شيخ المعتزلة أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود البلخي المعروف بالكعبي ، من نظراء أبي علي الجبائي. له من التصانيف : كتاب المقالات ، وكتاب الغرر ، وكتاب الاستدلال بالشاهد على الغائب ، وكتاب الجدل ، وكتاب السنّة والجماعة ، وكتاب التفسير الكبير ، وكتاب في الردّ على متنبئ بخراسان ، وكتاب في النقض على الرازي في الفلسفة الإلهية ، وأشياء سوى ذلك. قال ابن النديم : توفي في أول شعبان سنة تسع وثلاثمائة. قال الذهبي : كذا قال ، وصوابه : سنة تسع وعشرين. انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (١٤ / ٣١٣) وتاريخ بغداد (٩ / ٣٨٤) ووفيات الأعيان (٣ / ٤٥) والعبر (٢ / ١٧٦) ومرآه الجنان (٢ / ٢٧٨) وطبقات المعتزلة لابن المرتضى (ص ٨٨ ٩٨) ولسان الميزان (٣ / ٢٥٥) وشذرات الذهب (٢ / ٢٨١) وطبقات الأصوليين (١ / ١٧٠).
(٢) من أصحاب أبي الهذيل العلّاف. وهو من طبقة ثمامة بن الأشرس وأبي عبد الله الدباغ. انظر ترجمته في طبقات المعتزلة (ص ٥٥ و ٥٧ و ٨٣).