قال أبو محمد : وهذا كفر مجرّد لا خفاء به ، لأنه يجوّز على ربّه تعالى الكون في صفة الجماد ، أو المخدور ، أو المفلوج ، مع صحة الإجماع المتيقن على خلاف هذا القول الفاسد مع خلافه للقرآن ولموجب العقل ، وبديهته كذا عنده. وأظنه قد شبهه تعالى بالمخلوقين.
قال أبو محمد : وأمّا الأسواري فجعل ربّه تعالى مضطرا بمنزلة الجماد ولا فرق ، لا قدرة له على غير ما فعل. وهذه حال دون حال البق والبراغيث.
وأما أبو الهذيل : فجعل ربّه تعالى قدرته متناهية ، بمنزلة المختارين من خلقه ، وهذا هو التشبيه حقا.
وأمّا النظّام والأشعرية : فكذلك أيضا ، وجعلوا قدرة ربهم تعالى متناهية يقدر على شيء ، ولا يقدر على آخر. وهذه صفة أهل النقص.
وأمّا سائر المعتزلة : فوصفوه تعالى بأنه لا نهاية لما يقدر عليه من الشر ، وأن قدرته على الخير متناهية ، وهذه صفة شرّ ، وطبيعة خبيثة جدّا نعوذ بالله منها إلا بشر بن المعتمر ، (١) فقوله في هذا كقول أهل الحق ، وهو ألّا تتناهى قدرته أصلا والحمد لله رب العالمين.
__________________
(١) هو شيخ المعتزلة أبو سهل الكوفي ثم البغدادي. كان أخباريّا شاعرا متكلما ، وكانوا يفضلونه على أبان اللاحقي. له كتاب تأويل المتشابه ، وكتاب الردّ على الجهال ، وكتاب العدل ، وغير ذلك. مات سنة ٢١٠ ه. انظر ترجمته في الأغاني (٣ / ١٢٨) والانتصار (ص ١٩٤) والفهرست (ص ١٨٤ و ٢٠٥) وسير أعلام النبلاء (١٠ / ٢٠٣) والملل والنحل (١ / ٦٤) ولسان الميزان (٢ / ٣٣) والوافي بالوفيات (١٠ / ١٥٥).