آل عمران : ١٨١] و (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) [سورة المائدة : ٦٤] و (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ) [سورة الحشر : ١٦].
ولا يشك مسلم في أن هذا كله كذب ، فأي حماقة أشنع من قول من قال : إن الله قادر على أن يقول كل ذلك حاكيا ، ولا يقدر أن يقوله من غير أن يقول ما قيل هذه الأقوال من إضافتها إلى غيره ، وهذا قول يغني ذكره وسخافته عن تكلف الرد عليه.
قال أبو محمد : ثم سألناهم فقلنا لهم : من أين علمتم أن الله تعالى لا يقدر على الكذب أو المحال ، أو الظلم ، أو غير ما فعل ..؟
فلم تكن لهم حجة أصلا إلّا أن قالوا : لو قدر على شيء من ذلك لما أمنا أن يكون فعله أو لعلّه سيفعله.
فقلنا لهم : ومن أين أمنتم أن يكون قد فعله أو لعله سيفعله ..؟ فلم تكن لهم حجة أصلا ، إلّا أن قالوا : إن الله لا يقدر على فعله.
قال أبو محمد : فحصل من قولهم هذا أن حجتهم أنه تعالى لا يقدر على الظلم والكذب والمحال ، وغير ما فعل ، أنه لا يقدر على شيء من ذلك ، فاستدلّوا على قولهم بذلك القول نفسه ، وهذه سفسطة تامة ، وحماقة ظاهرة ، وجهل قوي لا يرضى به لنفسه إلا سخيف العقل ، ضعيف الدين ، فلا بدّ لهم ضرورة من أن يرجعوا إلى قولنا في أنه بالضرورة علمنا أنه لا يفعل من ذلك ، كما علمنا أن زريعة العنب لا يخرج منها الجوز ، وأن ماء الفرس لا يتولد منه جمل.
قال أبو محمد : وأما نحن فإن برهاننا على صحة قولنا أن البرهان قد قام على أنه تعالى لا يشبهه من خلقه شيء من الأشياء ، والخلق عاجزون عن كثير من الأمور جملة والعجز من صفات المخلوقين ، فهو منتف عن الله عزوجل جملة. وليس في الخلق قادر بذاته على كل مسئول عنه ، فوجب أن الباري تعالى هو الذي يقدر على كل مسئول عنه ، وكذلك لما كان الكذب والظلم من صفات المخلوقين ، وجب يقينا أنهما منفيان عن الباري تعالى فهذا هو الذي آمننا من أن يكذب أو يظلم أو يفعل غير ما علم أنه يفعله وإن كان تعالى قادرا على كل ذلك.
وقلنا لهم أيضا : إذا كان عزوجل لا يوصف بالقدرة على إبطال علمه ، ولا يوصف بالقدرة على إمامته اليوم من علم أنه لا يميته إلّا غدا ، لأنه لا قدرة له على ذلك ، ولو كان له قدرة على ذلك لوصف بها ، فإذا جاء غد فأماته فله قدرة على إماتته حينئذ ، فقد حدثت له قدرة بعد أن لم تكن. وهذا يوجب أن قدرته تعالى حادثة ، وهذا خلاف قولهم.