المجوس ، أو الصابئين أو البراهمة ، أو كل من يدين بأن الله حق فإنهم مجمعون على أن الله تعالى لا يظلم ، ولا يكذب. وكل من نفى الخالق فليس فيهم أحد يقول إنه يظلم أو يكذب ، فقد صح إطباق جميع سكان الأرض قديما وحديثا لا نحاشي أحدا على أنّ الله تعالى لا يظلم ولا يكذب ، فلو لم يكونوا مضطرين إلى القول بهذا لوجد فيهم واحد يقول بخلاف ذلك ، ومن المحال أن تجتمع طبائعهم كلهم على هذا إلّا لضرورة وضعها الله عزوجل في نفوسهم كضرورتهم إلى معرفة ما أدركوه بحواسهم وبداية عقولهم.
وأيضا فنقول لمن سأل هذا السؤال : أيمكن أن يكون إنسان في الناس قد توسوس ، وأوهمته ظنونه الكاذبة ، وتخيله الفاسد ، وهوسه أن الأشياء على خلاف ما هي عليه ..؟ وأن الناس على خلاف ما هم عليه ..؟ ويتصوّر عنده هذا الظنّ الفاسد أنه حق لا شك فيه ، أم ليس يمكن أن يكون هذا في العالم ..؟
فإن قالوا : لا يمكن أن يكون هذا في العالم ـ أتوا بالمحال البحت ، وكابروا.
فإن قالوا : بل هو ممكن موجود في الناس كثير من هذه صفته.
قيل لهم : فما يؤمنكم من أن تكونوا بهذه الصفة ..؟
ونقول لمن يؤمن بالله العظيم منهم : أيقدر الله تعالى على أن يحيل حواسّك كما فعل بصاحب الصفراء الذي يجد العسل مرّا كالعلقم ، وبصاحب ابتداء الماء النازل في عينيه فيرى خيالات لا حقيقة لها ، وكمن في سمعه آفة فهو يسمع ظنينا لا حقيقة له أم لا يقدر ..؟
فإن قالوا : يقدر.
قيل له : فما يؤمنك من أنك بهذه الصفة ..؟
فإن قالوا : كل من يحضر يخبرني أنّي لست من أهل هذه الصفة.
قيل له : وهكذا يظن ذلك الموسوس ، ولا فرق ، فإنه لا بدّ أن يقول : إنّي أرى أنّي بخلاف هذه الصفة ضرورة ، وعلما يقينا.
قلنا له بمثل هذا سواء بسواء ، آمنا أن يكون الله تعالى يظلم أو يكذب أو يحيل طبيعة لغير نبيّ ، أو يحيل ما لا يستحيل ولا فرق.
قال أبو محمد : ويقال لجميع هذه الفرق ، حاشا من قال بقول عليّ الأسواري : هل شنعتم على عليّ الأسواري إلا أنه وصف الله تعالى : بأنه لا يقدر على غير ما فعل ..؟ فقد وصفه بالعجز ولا بدّ.