وقال تعالى : (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَ) [سورة التحريم : ٥].
فهذا نص على أنه قادر أن يفعل خلاف ما قد سبق في علمه من هدى من علم. أنه لا يهديه ومن تعذيب من علم أنه لا يعذّب أبدا ، وتبديل أزواج قد علم أنه لا يبدّلهن أبدا ، وكل هذا نص على قدرته تعالى على إبطال علمه الذي لم يزل ، وعلى تكذيب قوله الذي لا يكذب أبدا. ومثل هذا في القرآن كثير. فمن أعجب قولا ، وأتم ضلالة ممن يوجب بقوله : أن الله تعالى كذب ، وأنه تعالى مع ذلك غير قادر على الكذب. مع قوله تعالى : (عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) [سورة القمر : ٥٥].
وقال تعالى : (وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) [سورة الروم : ٥٤].
وقوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً) [سورة النساء : ١٤٩].
فأطلق تعالى لنفسه القدرة ، وعمّ ولم يخص ، فلا يجوز تخصيص قدرته بوجه من الوجوه.
قال أبو محمد : فإن قال قائل منهم : فما يؤمنكم إذ هو تعالى قادر على الظلم والكذب والمحال من أن يكون قد فعله ، أو لعله سيفعله فتبطل الحقائق كلها ، ولا تصح ، ويكون كل ما أخبرنا به كذبا؟
قال أبو محمد : وجوابنا في هذا هو أن الذي أمّننا من ذلك ضرورة المعرفة التي قد وضعها الله تعالى في نفوسنا ، كمعرفتنا أن ثلاثة أكثر من اثنين ، وأن المميّز مميّز ، وأن البغال لا تتكلم في النحو ، والشعر ، والفلسفة ، وسائر ما استقر في النفوس علمه ضرورة ، وإلّا فليخبرونا ما الذي أمّنهم ما ذكرنا ، ولعله قد كان أو سيكون ولا فرق ، فإذ قد صحّ إطباق كل من يقر بالله من جميع الملل أنّ هذا العالم ليس في بنيته كون المحال المذكور فيه مع موافقته أكثر المخالفين لنا ـ على أن هذا كله ـ فإنّ الله تعالى قادر عليه ولكن لا يفعله ، فالذي أمّنهم من أنه تعالى يفعله هو الذي أمننا من أن يفعل ما قالوا لنا فيه لعله قد فعله ، أو سيفعله ، ولا فرق ـ وأن هذا العالم ليس في بنيته كون المحال المذكور فيه ، وأنه تعالى لا يجور ولا يكذب.
والضرورة الموجبة علينا القول بحدوث العالم ، وبأن له صانعا لا يشبهه لم يزل ، وبأن ما ظهر من الأنبياء عليهمالسلام فمن عنده تعالى ، وأن تلك المعجزات موجبة تصديقهم ، وهم أخبرونا أنّ الله تعالى لا يكذب ولا يظلم ، وأنه تعالى قد أخبرنا بأنه قد تمت كلماته صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وأنه تعالى قادر ، وليس كل ما يقدر عليه فعله ، وأيضا فإن كان السائل عن هذا متدينا بدين الإسلام أو النصارى ، أو اليهود أو