فمبدؤها من الطرف قول من قال : لا يوصف الله تعالى بالقدرة على غير ما يفعل ، وهو قول عليّ الأسواريّ أحد شيوخ المعتزلة. واعلموا أنه لا بد لكل من منع أن يقدر الله تعالى على محال ، أو على شيء مما يسأل عنه ، فلا بد له ضرورة من المصير إلى هذا القول أو ظهور تناقضه وتفاسد قوله ، وخروجه إلى المحال البحت الذي فرّ عنه بزعمه على ما نبينه بعد هذا إن شاء الله تعالى.
قال أبو محمد : وقد قالت طائفة بمعنى هذا القول إلّا أنها استشنعت عبارة الأسواريّ فقالت : إن الله تعالى قادر على كل شيء. ولكن إن سألنا سائل فقال : أيقدر الله تعالى على أمر كذا مع تقدّم علمه بأنه لا يكون ..؟ قالوا : فالجواب أنه تعالى لا يوصف بالقدرة على ذلك.
قال أبو محمد : وهذا الإخفاء لأنهم أوجبوا قدرته وأعدموها على شيء واحد ، وهو الباطل بلا خفاء.
وقالت طائفة : إنّ الله تعالى قادر على غير ما فعل إلّا أنه لا يوصف بالقدرة على أصلح مما فعل بعباده ، وهو قول جمهور المعتزلة.
وقالت طائفة : إن الله تعالى قادر على غير ما فعل إلّا أنه لا يقدر على الظلم ، ولا على الجور ، ولا على اتخاذ الولد ، ولا على إظهار معجزة على يد كذّاب ، ولا على شيء من المحال ، ولا على نسخ التوحيد ـ وهذا قول النظامي وأصحابه ، والأشعرية ، وإن كانوا مختلفين في ماهية الظلم.
وقالت طائفة : إن الله تعالى قادر على غير ما فعل ، وعلى الجور ، والظلم ، والكذب ، إلا أنه لا يقدر على المحال مثل : أن يجعل الشيء معدوما موجودا ما ، وقائما قاعدا معا ، أو في مكانين معا ، وهذا هو قول البلخي ، وطوائف من المعتزلة.
قال أبو محمد : والذي عليه أهل الإسلام كلهم ومن سلف من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم قبل أن تحدث هذه الضلالات وهذا الإقدام الشنيع الذي لو لا ضلال من ضلّ به ، ما انطلقت ألسنتنا به ، ولا سمحت أيدينا بكتابته ، ولكنا نحكيه حكاية الله عن ضلال من ضل ، فقال : «المسيح ابن الله» ، و «العزيز ابن الله» ، و «يد الله مغلولة» ، و «الله فقير ونحن أغنياء» ، و «إذ قال للإنسان اكفر». وكما أنذر رسول الله صلىاللهعليهوسلم «بأن الناس لا يزالون يتساءلون فيما بينهم ، حتى يقولوا : هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله ..؟» (١)
__________________
(١) روي بأسانيد وطرق مختلفة ، فرواه البخاري في الاعتصام باب ٣ ، وبدء الخلق باب ١١.